اليد المرتعشة لا تحمي دولة!
أ.د عمر الحضرمي
07-09-2013 03:48 AM
بالرغم من الإقرار بأن التجربة الانسانية قد توافقت على أن المواطن هو أساس «الدولة»، وعلى أن التعامل معه من قِبَل أطراف النظام السياسي يجب أن لا يصطبغ بأي شبهة عنف أو قسوة أو ظلم، وبالرغم من أن المجتمعات البشرية قد شهدت حالات من التصالح مع هذه الرؤية، فإن مفهوم «الدولة الحديثة»، يقول إن هناك حدوداً ومدارات يجب احترامها والالتزام بقوانينها ومحدداتها، ومن ذلك نبذ الفوضى أو التطاول على القانون، لأن ذلك يكوّن مدخلاً إلى الفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار وبالتالي سقوط الدولة.
لقد ثبت، من جملة السياقات السياسية والاجتماعية والأمنية والإقتصادية وحتى الثقافية والفكرية، أن «القانون» هو الأساس المتين الذي تقوم عليه كل حضارة، وأن الخروج عليه يعني العودة إلى حكم الغابة ومذهبها، عندها يجد الانسان نفسه «مرميّاً» في حضن المفهوم الحيواني للحياة. وهذا يعني، ضرورة وجود «الهيئة صاحبة سلطة الإجبار المشروعة». فغياب القانون وحُماته، يسوق البشر إلى تغوّل القوي ووقوع الضعيف ضحيّةً تحت رحمته، الأمر الذي يمثل فقدان الطرفين لإنسانيّتهما.
وهنا نقف عند حقيقة حق استخدام القوّة في سبيل وضع الأمور في نصابها، الأمر الذي يخدم حياة البشر ويجعل إمكانية العيش الآمن كائنة وميسّرة. لذلك نرى أن كل الدول المتحضرة، أول ما تصف نفسها بأنها «دول قانون»، وعليه فإنها تذهب بعيداً في وضع التشريعات والأنظمة وفوقها الدساتير التي تحظى بشرف الاحترام من الجميع. فكثيراً ما نرى أن الكاينات السياسية المهترئة قانونياً، تذهب دائماً لأن تصبح إما منهارة أو ظالمة أو دكتاتورية أو ساقطة، تغدو بعدها سائرة إلى مهاوي الموت.
إن ما يشهده العالم هذه الأيام من صدام بين الحق وبين الباطل، وبين السكون وبين الاضطراب، أساسه، أوّلاً وآخراً، هو فقدان احترام القانون. بالرغم من أن ذلك لا يعني الذهاب نحو التسلّط أو القهر، ولكن وجوب الأخذ بأسباب تحقيق المصلحة العامّة التي لا يمكن الوصول إلبها إلّا عن طريق التنظيم.
ومن المؤسف، حقّاً، أننا نرى أن كثيراً من الدول التي تصنّف نفسها بأنها «قائدة» و»سائدة» و»كبيرة»، هي التي تمارس التدمير لغيرها، وتعمل جاهدة في سبيل تحقيق مصالحها الذاتيّة على حساب مصالح الآخرين. وهذا هو الأمر الذي يعكس مدى التدهور في الأخلاق السياسية والفكريَة والاجتماعيّة والثقافيّة.
لم يكن أي مفكر سياسي منذ بداية البشريّة، يغادر في تعريفه «للدولة»، مطارح القول بأنها كيان سياسي اجتماعي اقتصادي، ولكن قبل كل شيئ هي كيان قانوني بكل مكوّنات هذا القانون، من حيث عدالته وقوّته وقدرته على صيانة الحقوق. وهذا يتطلب أن تكون «السلطة» ذات مُكْنة تهيّئ لها أسباب السيطرة العادلة. وغير ذلك فإن الفرد يصبح في مهب الريح التي تأخذه يمنة ويسرة، ويصبح معها هو آخر الاهتمامات، وهذا هو «بالضرورة» منتهى الضياع والاحتراب والنزاع، التي تقود الى انتقال القول من مفهوم « البقاء للأصلح» إلى مفهوم « البقاء للأقوى»، وهذا ما يخالف، بكل واقعيّة، الفطرة التي خُلِق عليها الانسان.
وعليه فإن السلطة الراشدة يجب أن تكون سلطة قوية، وتملك من القدرات ما يمكنّها من فرض القانون، لأن اليد المرتعشة لا تحمي دولة، ولكنها صانعة للفوضى والموت والانهيار.
الرأي