استغربتُ التحشيد القوي ضد مقترح إنشاء "لجنة الأمن والدفاع" في مجلس النواب، إلى جانب لجان أخرى جديدة جرى اقتراحها. ولو لم تكن هناك تعبئة من خارج المجلس، لمرّ المقترح بصورة طبيعية، لأنه من الطبيعي أن يكون هناك مثل هذه اللجنة، التي يوجد نظير لها في جميع البرلمانات. بالمناسبة، فإن وجود اللجنة لا يعني الشيء الكثير، وهو ليس قفزة ديمقراطية كبيرة؛ فاللجان لا تفعل الكثير خارج العمل التشريعي. وفي جميع القضايا، بما في ذلك الأمنية منها، فإن سلطة مجلس النواب الرقابية وحدودها هي نفسها بوجود هذه اللجنة أو بدونها. وهناك الآن، على كل حال، لجنة تقصي حقائق دائمة، وُجدت لإعفاء بقية اللجان من هذا الدور.
لجنة كهذه سيقتصر عملها غالبا على عقد جلسات استماع ومناقشة للسياسات الأمنية والدفاعية، من حين لآخر، مع الوزراء والمسؤولين، خصوصا كلما استجدت قضايا في هذا المجال؛ مثل الوضع الخطير الناشئ بالنسبة لسورية هذه الأيام، فما الخطأ في ذلك، وأين المشكلة؟!
طروحات بعض الزملاء الرافضين لتشكيل اللجنة جعلتها تبدو وكأنها قضية تهديد للأمن وللجيش ولسلطة الملك! واستدعوا أشباحا غير موجودة في الواقع، واستعانوا بالخصوصية الأردنية، ومستوى تطورالديمقراطية الأردنية الذي لم يصل إلى ذاك المستوى الذي يتيح وجود هكذا اللجنة! ومثل هذا التبرير وهمي تماما؛ فهكذا لجنة يمكن أن توجد في ديمقراطية عالية أو متوسطة المستوى، أو حتى برلمان دولة غير ديمقراطية؛ فمستوى الديمقراطية هو الذي يحكم عمل اللجنة، وليست اللجنة هي من تحكم مستوى الديمقراطية.
ولم أغضب كثيرا لعدم إقرار وجود اللجنة؛ فالأمر سيان تقريبا. ويمكن للجنة الشؤون الخارجية أو الحريات العامة أو التوجيه الوطني، أن تقوم بنفس المهمات. لكن الأمر مثير للاهتمام لناحية أنه يلفت الانتباه إلى عقلية معينة ضيقة، حد عدم استيعاب وجود هكذا لجنة كأمر طبيعي، يفترض وجوده في أي برلمان، وفي أي دولة.
أذكر أنني قبل عقد من السنوات، كتبت مقالا أقترح فيه وجود لجنة تحت نفس الاسم، وفوجئت بأن المقال أغضب كثيرا مدير المخابرات في حينه. وتعجبت بجد لذلك، ولم أفهم فعلا لم كل هذا التحسس! وعندما وضعت اللجنة القانونية هذا الاقتراح، لم أكن أعتقد أبدا أننا ما نزال نراوح عند نفس النقطة.
وأول من أمس، دعت أغلبية من النواب إلى عقد جلسة خاصة لمناقشة موضوع الضربة المحتملة لسورية. وطبعا، لا يستطيع أحد منع النواب من ذلك، وأن يقول لهم ليس شأنكم. ولو كانت هناك لجنة أمن ودفاع، لكانت هي من ستعقد اجتماعا لمناقشة الموضوع، والاستماع إلى رأي المسؤولين بهذا الشأن، والاستفسارعن الاستعدادات لمواجهة الموقف والمخاطر المحتملة على الأردن، وغير ذلك؛ وهو ما سيفعله النواب طبعا عبر أي قناة أخرى، مثل عقد جلسة غير رسمية، أو عبر إحدى اللجان النيابية.
كيف، ونحن نتحدث كل يوم عن الأمن الوطني بصفته مسؤولية كل أبناء الوطن، نجفل من وجود لجنة خاصة بالأمن والدفاع في البرلمان، وهو عنوان التعاون والشراكة والتمثيل لجميع المواطنين؟
jamil.nimri@alghad.jo
الغد