كنت أشعر أن صراخه المكتوم يتكسر فوق جدران المنزل، لكن أنينه استطاع العبور إلى نافذتي، فقد كنت أسمعه يومياً يستغيث بكلمات غير مفهومة، لكنها كانت تصرخ فقط وهو، فيما يبدو، يرجوها أن لا تضربه. اقشعر بدني لبكائه اليومي وحاولت استطلاع الأمر، لقد كان طفلاً ذا احتياجات خاصة، وكانت والدته تصب عليه حظها السيء مع والده، فلم يحتمل مزاجها السيء مسايرته، ولذلك كانت تلجأ إلى أقصر الطرق و»أكثرها آدمية» للتعامل مع الصغير المعاق من خلال التهديد والضرب والحبس!.
وفي احد مطاعم الوجبات السريعة وقفت الطفلة أمام البائع المنشغل بتلبية طلبات الزبائن، طلبت الصغيرة بعض المناديل الورقية أول مرة وثاني مرة وثالث مرة لكنه لم يعرها أي انتباه،فهي مجرد طفلة لن تحاسبه على اهماله ولن توبخه على تجاوز طلبها إلى آخرين. لفتني المشهد من بعيد فاقتربت من البائع ونبهته إلى طلبها فناولها المناديل بنرفزة واضحة، وحين أبديت استغرابي لأسلوبه في التعامل مع طفل كان رده لا ينقصه المزاجية التي يعتبرها واقعا ً على الغير أن يتحمله..
أخبرتني مديرة مدرسة أنها تحفز المعلمات على التطلع إلى الجانب الروحي والشعوري لدى الأطفال وقد خطر لها بأن توعز لمربيات الصفوف الأساسية أن يفسحن المجال لطلابهن وطالباتهن مرة كل أسبوع التعبير عن أنفسهم بالرسم، ثم تعرض الرسوم على مختصة بالشأن النفسي والاجتماعي، ومن خلال التجربةتتكشف ملامح كثيرة لمشاعر الأطفال، وقد كشفت بعض الرسومات عن ضغوط نفسية يمر بها بعض الأطفال نتاج بيئات غير مستقرة أو ترهيب أو تخويف.
هناك ملفّات كثيرة كبيرة كنت أتمنى لو تتسع المساحة للكشف عنها حول استغلال الأطفال أو تعنيفهم أو تعذيبهم أو ترهيبهم لأن الطرف الآخر يصب اعتلاله النفسي فوق طفل ضعيف لا يعرف كيف يدافع عن نفسه.
لا شيء يثير الغثيان أكثر من التعرض لطفل، وليس أبشع من العنف ضد الأطفال إلا السكوت عنه.
"الرأي"