سُوريا .. العِقابُ بأيدٍ عَربيّة!!
محمد حسن التل
04-09-2013 04:01 AM
ما زلنا مُقتنعين أنّ النظام السوري أجرم في حق شعبه، عندما رفض التعامل مع مطالبه في الحرية والإصلاح، وتعامل مع حراكه بعنف كبير، مما دفع الناس في الشّام إلى تسليح ثورتهم، الأمر الذي فتح كلّ أبواب الشّر على سوريا، واستُبيحت الأرض السوريّة، من قبل كلّ من يريد بها شرّا وإرهابا، حتى وصلت الأمور إلى ما نراه الآن، من تخريب شبه كامل للبلاد.. قتلا للإنسان، وتدميرا لكلّ بناء وحياة.
كما أظهر النّظام السوريّ غباء سياسيا كبيرا، عندما ركب رأسه في معاندة الواقع، ورفض كلّ المبادرات التي قُدمت له، من جهات كثيرة في العالم، للوصول إلى حلّ يُرضي الأطراف السورية، ويحقن دماء السوريين، ويحفظ الشّام من الخراب الذي دمّر إنجاز الإنسان السوري، على مدار عقود طويلة.
ولم تَعد الشّام برائحة الياسمين، بل غرقت برائحة الدم والفتنة والطائفية البغيضة، كلّ هذا وغيره كثير .. ولكنْ.. مع كلّ عناصر هذه المعادلة المعقدة، نقول بوضوح وإخلاص: إنّ تعريض سوريا لضربة عسكرية، من قبل الأمريكان وحلفائهم، لا يُمكن لأحد أن يرضاه، أو يدفع باتجاهه؛ لأنّ الخاسر الأول في حال تنفيذ التّهديد الأمريكي، هو قطعا الشّعب السوري، خصوصا أنّ الرئيس الأمريكي أعلن بصراحة، أنّ مطبخ القرار في الغرب، لا يقصد من الضربة إسقاط النّظام في دمشق.
إذاً، الضربة في حال وقوعها، ستكون تدميرا لكلّ ما أنجزه السوريون، من دمهم وعرقهم وأموالهم، وستتعقد الأزمة أكثر، وسيستمرُّ مسلسل القتل، وربما يكون أقلّ الأطراف خسارة هو النّظام نفسه هناك، وستتعدد حلقاته وتتسع؛ لذلك على كلّ من يصفِّق للضربة الأمريكية، أنْ يُعيد النّظر بحساباته؛ لأنّ المتضرر الأول والأخير، كما أشرنا، من هذه الضربة سوريا، الإنسان والأرض والإنجاز، وبالأخص، «فرسان» ما يُسمى المعارضة السورية في الخارج، حيث لم يتّعظ هؤلاء من نظرائهم في العراق، عندما كانوا يجوبون العالم، من أجل التّحريض على ضرب بلادهم، فكان ما كان للعراق من ضياع وتدمير واحتلال ونهب للثروات، والأهمّ من ذلك كله، فقدان العراق لأمنه واستقراره، الذي لا يزال يبحث عنه منذ عشر سنوات ولم يجده!
ومع هذا، لا يوجد ذو ضمير حيّ، لا يُطالب بكبح جماح النظام السوري المجنون، ولجمه عن القتل والتدمير، بل ومعاقبته. كذلك على كلّ عاقل أنْ يُطالب بكبح جماح الإرهاب المنفلت من عقاله في سوريا، بواسطة الجماعات التي تُسمى ظلماً «إسلامية»، والتي استباحت كلّ حرام تحت يافطة الإسلام، وباتت تقتل على طول اللحية من قِصَرها.
في هذه اللحظة التاريخيّة التي تمرُّ بها سوريا، والمنطقة العربية كلّها، على العرب أنْ يكونوا أكثر عقلانيّة، في التّعامل مع الأزمة السورية، وأنْ يستعيدوا زمام المبادرة في هذه الأزمة، التي إذا استمرّت على هذا النحو، ستعصف بكلّ الأطراف العربية –هل نحن هنا نطلب المستحيل؟! – وأول خطوات استعادة زمام المبادرة، هي الموقف المُحايد الإيجابي، بحيث لا يقف أيُّ طرف عربي، مع طرف سوريّ ضدّ الآخر، حتى تعود المصداقيّة للنوايا العربية في الحلّ، أمّا هذا التَّخندق البغيض من قبل الكثير من العرب، خلف آراء مسبقة، ومواقف حديّة، ما زاد ولن يزيد الأزمة إلا تعقيدا، وسيخرج العرب تماماً من إطار هذه الأزمة، ليصبحوا متفرجين على ما يجري في سوريا، كأيِّ طرف آخر لا يعنيه الأمر، وليست تجربة العراق ببعيدة عنّا.
وهنا يبرز الموقف الأردنيّ، كنموذج إيجابيّ في التّعاطي مع المسألة السورية، حيث لم يتخندق مع أيّ طرف من أطراف النزاع ضدّ الآخر، وبالتالي، ظلَّ صاحب مصداقية عالية في موقفه منذ البداية، الدّاعي للحلّ السياسيّ.
العربُ اليوم غرقى في وحل الأزمة السورية، نتيجة انقسامهم الأفقي والعامودي إزاءها، ولأنهم لم ينظروا إلى الحلّ، من منطلق مصلحة الشعب السوري المنكوب، بل كانت معظم مواقفهم، نتيجة حسابات سياسيّة ضيّقة، وتصفية حسابات، الأمر الذي أفقدهم زمام المبادرة في أيّ حلّ.
نريد معاقبة الأسد ومَن معه، ونريد تنظيف سورية من كلّ إرهابيّ جاهل، ولكنْ، بأيدٍ سوريّة عربيّة، لا بسلاح أمريكيّ أعمى، لا يرى في المنطقة إلا مصلحة أصحابه، وفوقهم إسرائيل........ وسَلامٌ على الشَّام وأهلها.
الدستور