"دمشق .. أشكو العروبة أم أشكو لك العربا"
جهاد المنسي
04-09-2013 03:12 AM
هنا دمشق، أقدم عاصمة في التاريخ. هنا دمشق، عاصمة بلاد الشام. هنا دمشق، شامنا وياسميننا العتيق. هنا دمشق، هنا سوق الحميدية وقاسيون، وركن الدين، والمزة، والقيمرية، والسروجية، والميدان، وباب توما، والصالحية، ومخيم اليرموك، وجوبر، والشاغور. إنها دمشق.
هنا دمشق تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا، عاصمة بلاد الشام، وإرث الحضارة، وسيمفونية الأبجدية الأولى. فـ"هذي دمشق وهذي الكأس والراح.. إني أحب وبعض الحب ذباح".
احتلت القدس، وأحرق الأقصى وصمتنا. احتلت بغداد، وغضضنا النظر. قصفت بيروت، وأدرنا ظهورنا، عاثوا في طرابلس قصفا وتمزيقا وأيدنا. فيا دمشق لا تنتظري أحدا، ولا تعتقدي أن هناك من يجيب. فيا دمشق ألم تسمعي شاعرك الكبير نزار قباني عندما قال قبل 40 عاما: "دمشقُ، يا كنزَ أحلامي ومروحتي أشكو العروبةَ أم أشكو لكِ العربا... أدمت سياطُ حزيرانَ ظهورهم فأدمنوها.. وباسوا كفَّ من ضربا... سقوا فلسطينَ أحلاماً ملوّنةً وأطعموها سخيفَ القولِ والخطبا".
لا تريد الولايات المتحدة الأميركية النزول عن الشجرة، ولا تريد الاستماع لصوت العقل، وما تزال تعتقد أن بيدها الحل والربط والقول والفعل، يدعمها في غيها وبهتانها قادة دول مفصومون عن واقعهم، وساسة لا أثر ولا تأثير لهم على الارض، وكتاب اعتادوا على المال الأسود، وزيفوا الحقائق والوقائع، كما فعل بعضهم سابقا، أو فعل أسلاف لهم إبان حرب العراق.
لماذا تصر الولايات المتحدة على شن حرب على سورية، رغم أن شعوب العالم أجمع تكاد تجمع على رفض حربها المنفردة؟ أهي غطرسة العم سام وأنفته، أم هي حرب تدار لحماية الابن المدلل إسرائيل، وإبعاد خطر أي صاروخ نحوها؟!
تشن أميركا حروبها بوكالة بعض حلفائها في المنطقة؛ فتقتل أطفالنا وشيوخنا ورجالنا وشبابنا، وتنهب خيراتنا، والأنكى أنها ترفع شعار الديمقراطية والحرية! وتتعامل مع كل العالم باعتباره غير ديمقراطي، لأنه لا يريد لها شن حرب على سورية! وكأنها حامي الديمقراطية في العالم والمنطقة. ونحن في الشرق لم نر ديمقراطيتها إلا قنابل وقتل ونهب واحتلال، فعن أي ديمقراطية وحرية يتحدثون؟ نعم، خبرنا ديمقراطية أميركا الخارجية كثيرا، فلم نذق منها إلا نيرانا وتخريبا.
اعتادت أميركا على سوق حجج واهية تتغطى بها، وتريدنا أن ننسى أنها أيدت دكتاتوريات في المنطقة والعالم، ودعمت أنظمة شمولية أكثر من شمولية النظام السوري بكثير!
يريدنا "العم سام" أن ننسى ماذا فعلت قنابله بأطفال فلسطين وليبيا والعراق واليمن والسودان والصومال وأفغانستان ويوغسلافيا، وبيروت، وتريدنا نسيان أنها استخدمت حق النقض "الفيتو" 42 مرة لإفشال مشاريع قرارات تدين إسرائيل في مجلس الأمن. وهي تعرف أن إسرائيل تحتل وتقتل وتسحل، وتعتقل شعبا أعزل، وتحتل أراض لشعب آخر.
أميركا ببساطة لا تتغير، سواء جلس في بيتها الأبيض جمهوري أم ديمقراطي، فكلاهما وجهان لعملة خارجية واحدة، وكلاهما يسيران وفق مصالح أميركا العظمى وما يؤمن أمن إسرائيل ولدها المدلل!
رغم كل ما سقناه عن دور أميركا البشع في عقولنا وكرهنا لها، ولكن تبقى جامعتنا العربية المخطوفة نفطيا، المسلوبة عقليا، القاصرة نظريا، تتوسع في التنكيل بأحلام ورؤى الشعوب العربية، وتأبى إلا أن تكون أداة لدول لم نر منها أبدا ما ينفع منطقتنا، وما يعيل شعبنا، وما يرفع الظلم عنا.
للتذكير فقط، فلطالما نكلت أميركا عبر التاريخ بحلفائها، ولطالما ضحكت مليا على من يناصرها في أصقاع الأرض؛ فلم ننس حتى الآن أنها احتلت العراق بكذبة صدقها الحلفاء، وقسمت السودان تحت ضغوط ووعود لا تنتهي، وفي النهاية أصبحت الوعود سرابا.
سادتي.. دعونا ننظر أوسع من الصورة التي وضعها الإعلام لنا، دعونا نستذكر التاريخ، ونتذكر الماضي ونفكر في المستقبل، دعونا نرى أبعد من سبابة أصابعنا.
الغد