نحو تشريع دولي .. يحرم الاساءة للأديان
مالك نصراوين
17-01-2008 02:00 AM
طالعتنا الصحف اليوم ، بنيأ مفاده ان سوزانا فينتر مرشحة حزب الحرية اليميني المتطرف في الانتخابات المحلية بمدينة جراس جنوب شرق النمسا ، قد ادلت بتصريحات مسيئة للاسلام ، وللرسول العربي الكريم ، ومثل هذا النبأ اصبح يتكرر بشكل دوري كل عدة ايام او عدة اسابيع ، خاصة ضمن فعاليات الحملات الانتخابية لمختلف المرشحين في الغرب .قبل سنوات ، اعلن عن الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للاسلام ، في احدى الصحف الشعبية الدنماركية ، وحينها صدرت ردود افعال عنيفة من مختلف الدول الاسلامية ، وسقط ضحايا واحرقت ممتلكات ودور عبادة ، لكن هذه الردود لم تمنع استمرار مثل هذه السلوكيات المسيئة للاديان في دول الغرب ، تحت ذريعة حرية ابداء الرأي ، وكأن الحرية في هذه الدول اصبحت مطلقة ، لا تتقيد بأي خطوط حمراء ، فتطاولت على المعتقدات والرموز الدينية ، دون ان تواجه باي اجراءات قانونية مضادة فعالة ، فاصبحت بمثابة تسونامي ثقافي مدمر لكل ما تبقى من قيم دينية واخلاقية في المجتمع .
لقد كان بودنا ان نصدق ، ان هذه التجاوزات فعلا ، من نتاج الحرية ، لكن شواهد اخرى نلاحظها ، تظهر لنا خطوطا حمراء في قضايا اخرى ، واي تجاوز لهذه الخطوط يؤدي الى عواقب قانونية ، وكأن امواج هذا التسونامي موجهة فقط للاديان ، وبهدف القضاء على البقية لباقية من الواعز الديني لبني البشر ، فالخوض في قضية صحة المجازر النازية تهمة يعاقب عليها القانون في الكثير من الدول الاوروبية ، ولنا ان نفهم من ذلك ، ان هذه الحرية محددة ، وموجهة في اتجاه معين .
لم تقتصر الاساءة للاديان في الغرب ضد الاسلام فقط ، كما يحاول الكثيرون الايحاء بذلك لغرض في نفس يعقوب ، بل شملت المسيحية ايضا ، ولعل فلم شيفرة دافنشي احد ابرز هذه الاساءات ، اضافة الى اساءات لم تصل انبائها لنا ، لانه لا تثير ردود فعل مناسبة ، وكما هو الحال بالنسبة للاسلام ، كل ذلك يؤكد ان ابواب الاساءة الى كلا المسيحية والاسلام ، وهما اكبر دينين في العالم ، مفتوحة على مصراعيها لكل من هب ودب ، اما تنفيثا للاحقاد ، او بحثا عن الشهرة والشعبية وغيرها من الاسباب .
من الأولى والحال هكذا ، ان تتصدى القيادات الروحية لكلا الديانتين في كل العالم ، لهذه الاساءات المتعمدة والمقصودة ، بجهد جماعي متميز وفاعل ، يساهم بتفعيل الضغط الشعبي على اصحاب القرار والمشرعين ، لاصدار تشريعات جديدة ، وتفعيل المتوفر منها ، للجم هذه الهجمة الشرسة على الاديان وقيمها النبيلة ، التي تعتبر خط الدفاع الاخير والسلاح الامضى في وجه الشر ، وفي خلق الوازع الذاتي لدى الانسان ، لتهذيب سلوكه في كل زمان ومكان .
ومن الأولى ايضا ، وهذا التمني موجه الى الشعوب الاسلامية ، ان لا نقتدي بسوء الاخرين ، وان لا نتجاوب مع حملات الاصوليين المتطرفين ، الذي يبثون الكراهية ضد المسيحية واتباعها ، سواء بالتكفير او الاكراه او التمييز او التهديد والتحريض واستخدام العنف ، خاصة انه في الاغلب يكون موجها ضد اخوتهم وابناء وطنهم ، وليس ضد مستوطنين غرباء ، او فكر مستورد ، فمن وطننا العربي انطلقت الرسالات السماوية الى كل الاصقاع ، واحتضنت ارضنا المقدسات لكل الاديان ، وهي محج كل المؤمنين بالله ، فهي ارض الرسالات ، ومركز الاشعاع الايماني لبني البشر ، ومن حقها علينا ان نكون اهلا لهذه الرسالات السماوية ، نحترم جميع اتباعها ومعتقداتهم ، فلا نسيء لاي منها في اعلامنا او مناهجنا التربوية ، او من خلال التمييز بين مواطنينا تبعا لمعتقدهم الديني .
لقد خص الله ارضنا بهذه الرسالات ، ليحملنا مسؤولية نشرها والحفاظ عليها ، ومن الاولى ايضا ان تكون ارضنا العربية مهدا لحوار اديان فاعل ، نركز فيه على القيم النبيلة المشتركة ، وعلى احترام الاختلافات ، ليمتد هذا الحوار من هنا ، من ارض الانبياء والرسل الى ارجاء الدنيا ، وتصبح نتائجه ملزمة لكل الدول ، وتتبناه الامم المتحدة ، وينص اول ما ينص على احترام العقائد السماوية وحقوق اتباعها ، ومعاقبة كل من يسيء لها ، ومراجعة وتعديل كل التشريعات التي تنتقص من حقوق المواطنة او حقوق الانسان .
من دون مثل هذه التشريعات ، سيبقى التوتر سائدا بين اتباع الاديان السماوية ، وتظل الاساءات تتوارد ، فنعيش في اجواء الحروب الباردة على اكثر من جهة ، هذا ان لم تتحول الى حروب ساخنة ، تحول الكرة الارضية الى كرة من لهب .
m_nasrawin@yahoo.com