تتوافر "المبادرة" التي أطلقتها مجموعة نيابية، تتكون من قرابة 15 نائباً، على تصوّر جريء وواضح لأهم السياسات العامة الداخلية، على أكثر من صعيد؛ اقتصادياً وتنموياً وسياسياً وحقوقياً.
وتمثّل المجموعة اليوم "رقماً صعباً" في المشهد الداخلي؛ إذ قدّمت مبادرتها مكتوبة ورسمياً إلى كلّ من الديوان الملكي ورئيس الوزراء، وطلبت من الحكومة ردّاً رسمياً على ما طرحته من برامج واقعية.
وهو ما تمّ بالفعل أمس، وفق أوساط "المبادرة"؛ إذ استلمت المجموعة الرد الأوّلي.تتكون المبادرة من محاور وبنود متعددة. إلاّ أنّ أوساط المجموعة النيابية التي تتبنّاها أصرّت على عدم الإفصاح عنها حالياً للإعلام؛ إذ ما تزال في طور الإنضاج والتفاوض مع الحكومة.
غير أنّ أهم بنودها تتمثل في تطوير السياسات العامة وفق برامج عمل وخطة زمنية واضحة ومحدّدة، وضعت المبادرة المعالم الرئيسة لها.على الصعيد الإداري والاقتصادي، تدفع المبادرة إلى "عقلنة الإنفاق العام"، من خلال سحب "سيارات الصالون الحكومية" جميعاً، لإيقاف الهدر في هذا المجال؛ بالإضافة إلى إطفاء أنوار الشوارع، و"حوسبة صرف الأدوية" (منعاً للفساد في هذا المجال)، وترشيد التعيينات في القطاع العام، مع التركيز على فتح باب التوظيف والتعيين في القطاع الخاص، ودخول الحكومة في هذا المجال كطرف مشجّع ومحفّز على المشاريع والمبادرات الصغيرة، وضامن للقروض.
تقف المبادرة مع إلغاء اختلالات الدعم من الموازنة العامة، وإزالة التشوهات المختلفة فيها؛ لكن مع ضمان وصول الدعم إلى مستحقيه فقط، وتوجيهه للقطاعات المستحقة الحقيقية؛ مثل التعليم والصحة والنقل والبنية التحتية.تبدو المبادرة أكثر جرأة سياسياً. إذ تستند، من حيث المبدأ، على قيمة "دولة القانون" وتعزيزها في الحياة العامة، ورفض شعار "الأمن الناعم" مع التطاول على الممتلكات والقانون والنظام، لكن مع تمييز ذلك عن الحق في التجمع والحريات العامة، وإطلاق المجال للفضاء العام بعيداً عن أيّ تدخلات رسمية، والدعوة إلى إعادة هيكلة وزارة الداخلية بعد فشل المحافظين الصارخ في الانتخابات البلدية الأخيرة.تطالب المبادرة، بوضوح شديد، بإلغاء الموافقات الأمنية على التعيينات في القطاعين العام والخاص، ورفض ذلك مطلقاً. وتدفع نحو قانون أحزاب متقدم، وقانون انتخاب يتجاوز الصوت الواحد والدوائر الصغيرة، والعمل على تخليص الأخير من الاستثناءات المتعددة فيه.وتشترك هذه المبادرة في مضمونها مع وثائق سابقة، وتحديداً مع ديباجة لجنة الحوار الوطني، في تحديد الإطار الإصلاحي المطلوب في مجالات مختلفة، والقيم الحاكمة له.
إلاّ أنّ ميزة المبادرة الراهنة تتمثّل في أمرين:أولاً، في أنّها تحمل برامج عملية، تتبنّاها مجموعة نيابية، تمثّل نواة طموحة لائتلاف نيابي واسع، تصّر أن تكون برامج هذه المبادرة هي عقدة الفرس في تحديد مسار العلاقة مع الحكومة؛ ما يعني أنّها يمكن أن تشكّل "تحويلة" في العلاقة بين البرلمان والحكومة. وهو ما تطمح إلى تأسيسه المبادرة، عبر ما يسمى "التحالف على القضية"؛ أي أن يكون أساس تجمع النواب في تحالفات هو القضايا المطروحة والموقف منها.
ثانياً، أنّها تحظى بدعم من الديوان الملكي؛ إذ التقى الملك بنوابها في شهر رمضان، في منزل مصطفى حمارنة، ثم التقى به قبل أيام وتناقش معه في المبادرة.
هل يمكن، بالفعل، أن تتحقق هذه الأفكار والأهداف، وأن تعيد هذه المبادرة صوغ أسس العلاقة بين النواب والحكومة، وأن تتجاوز مصير الوثائق السابقة التي وقف التيار المحافظ ضدها بصلابة وأحبطها؛ مثل الأجندة الوطنية، ومخرجات لجنة الحوار الوطني؟ هل ثمّة مشروعية لتفاؤل أصحاب المبادرة بمصير مغاير، بخاصة أنّها بالضرورة ستواجَهُ بالشراسة نفسها من التيار المحافظ؟!
الغد