كيف نكتب قصة واقعية بنجاح فني
02-09-2013 03:32 PM
عمون - تطرح رواية "حكاية ماتيل" للكاتبة اللبنانية مي ضاهر يعقوب مشكلة قد لا تكون سهلة دائما وهي كيف نكتب قصة من الواقع ولا تأتي مسطحة في عاديتها بل تتسم بروح فنية حية.
وهي هنا -لنجاح الكاتبة في سردها- تعيد طرح سؤال قديم يقال إن أرسطو بدأه في قوله ان الفن يقلد الحياة الى ان جعل اوسكار وايلد القضية معكوسة فقال ان الحياة تحاكي الفن.
ومن خلال رواية مي ضاهر يعقوب الكاتبة والصحافية في جريدة النهار البيروتية قد نصل الى استنتاج هو ان الفن يحاكي الحياة وان الحياة نفسها اذا رويت بحيوية احيانا فسيأتي الامر فنيا مؤثرا.
وقد جاءت الرواية في 209 صفحات متوسطة القطع وصدرت عن دار النهار للنشر في بيروت.
تكتب مي ضاهر يعقوب قصة ماتيل او ماتيلدا من خلال المرور بحقب تاريخية مختلفة تبدأ بالاجداد لتصل الى البطلة وإلى الاحفاد. وهي تروي بتشويق ودفء.
في (تمهيد) تقول الكاتبة "بين دفتي هذا الكتاب قصة حقيقية لامرأة تدعى ماتيلدا ولدت في بيروت مطلع القرن العشرين. عرفت ماتيل -وهذا اسم الدلال- الطمأنينة والفرح والرفاه وما لبثت ان عاشت القهر والعذاب والازدراء والاغتراب والفقر والقلق الى ان عاد اليها الاطمئنان فالترقي الاجتماعي والمهني والسعادة.
"ولعل اكثر أحداث هذه الرواية من نسج الخيال وكذلك الشخصيات واسماؤهم. لكن ما حصل مع ماتيلدا في مفاصل اساسية من حياتها هو حقيقي تثبته قصيدة كتبها لها شقيقها مرحبا بها لدى عودتها في زيارة للبنان بعد اكثر من سبع وثلاثين سنة من الاغتراب عن وطنها وعائلتها.
"هاجرت ماتيلدا مطأطئة الرأس في العام 1924 الى الارجنتين وعادت في العام 1961 مرفوعة الرأس وموفورة الكرامة راوية ما حدث معها من ظلم كان خافيا على الاقربين... انطلقت بالكلام من قصة خطفها... ولم تهدأ ولم تستكن الى ان انفجرت صارخة في وجه الجميع لانهم احتقروها من دون ان يعرفوا حقيقة ما حصل معها في ذلك اليوم الذي انتهى بزواجها من شخص سيء الطباع من دينها ولانهم ازدروها وتخلوا عنها نهائيا عندما تزوجت للمرة الثانية بعد سنوات لان الزوج الجديد لم يكن من دينها مع انه كان شهما ونبيلا."
انطلقت الكاتبة من سنة 1832 وما بعدها متحدثة عن الهجرات المختلفة والاضطهادات راوية قصة يوسف ماراكيس اليوناني الذي هرب من الفقر في بلده بحثا عن عمل في مدينة حلب السورية وقصد صديق عمه الارمني فاهان شادريان ليساعده في ايجاد عمل. عمل ونجح ولكنه اراد المزيد فقصد القامشلي السورية للعمل في الزراعة.
كان قد تعلق قلبه بابنة شادريان. نجح في القامشلي فعاد وطلبها واعلنت خطوبتهما على رغم كون الخطيب يونانيا والخطيبة ارمنية. وتزوجا. بعد ذلك قرر الانتقال الى ديار بكر في تركيا حيث حقق ثروة ورزق باولاد. لكن بعد المجازر خلال الحكم العثماني في حق الارمن والسريان والاقليات الاخرى في ديار بكر هرب ابنه الى حلب وما لبث ان لحق به سائر الاسرة.
جورج ابن يوسف وارتين -او ارت- وابن خاله شادريان ذهبا الى بيروت. ارتين اصبح اسمه ارت شادر وصار يعمل صحافيا في صحيفة تصدر بالفرنسية بعد ان طور قدراته.
جورج عمل في الجمارك وصار ذا شأن ورقي الى رتبة عالية بعد وقت. وبعد فترة انضمت اليهم عائلة يوسف افندي ماراكيس الذي تخلى عن ثروته وبيته وممتلكاته هربا من المجازر في ديار بكر. جورج تزوج من فتاة من شمال لبنان ورزقا باولاد.
يقول الراوية بطرس حفيد يوسف انهما انجبا ثلاثة صبيان وثلاث بنات "وكانت بكر مواليدهما خالتي ماتيل." والدها جورج بحكم وظيفته كان دائم التنقل لذلك ولد اولاده في اماكن مختلفة من لبنان وفلسطين. كان يدلل اولاده "ولديه نقطة ضعف حيال ماتيل الذكية والجميلة" والطيبة التي اعطيت افضلية "في الدراسة والموسيقى والاناقة".
يروي الراوية الاحداث نقلا عن جده لابيه بطرس كيرياكوس الذي هرب من مذابح ديار بكر الى انطاكية ثم اللاذقية ثم طرطوس والاسكندرية قبل ان يستقر في حيفا حيث كان جورج وعائلته. تصادقت العائلتان. جوزف ابن بطرس احب ماتيل واحبته وتمت خطوبتهما. تأخر الزواج بسبب انتقال جورج وعائلتة الى بيروت مرة اخري.
في احدى زيارات ماتيل لعائلة خالها في غوسطا في الجبل اللبناني استدرجتها فتاتان من الانسباء الى مكان وما لبث ان "خطفها" سائق تاكسي شرير كان معجبا بها لكن والدها رفضه. قاومته قدر المستطاع ولما اخذها الى البطريركية المارونية في بكركي ليعلن زواجه عليها ابلغت الكاهن رفضها وعلم البطريرك الياس الحويك بالامر ووضعها تحت رعايته ونامت في غرفة في الدير. رفض والدها ان يقابلها. غيابها في تلك الايام كان يعتبر عارا فاضطرت الى ان تقبل بان تتزوج مخايل او "مايك" سترا للعار كي لا يذبحها اهلها.
كان زوجها شريرا ومقامرا يضربها ويجوعها. وقرر السفر الى الارجنتين وهناك عانت الكثير وعملت خادمة في محلات تجارية للبنانيين وعرب كي تعيل اولادها الثلاثة. زوجها قتل احد الجيران الذين تدخلوا للفصل بينه وبين عائلته التي كان يهددها بالقتل. حكم عليه بالسجن المؤبد لكنه خلال شجار في السجن قتل طعنا.
كانت تعمل في تنظيف متجر محمد عبدو الذي عاملها معاملة محترمة جدا. بعد ذلك وظفها لتعمل معه في المحل التجاري وقد حققت نجاحا ممتازا. بعد مدة من الزمن تزوجا. كانت تتردد بسبب فرق الدين بينهما لكن الاب جان الكاهن الذي ساعدها كثيرا مدح محمد عبدو واخلاقه ونصحها بان يتزوجا زواجا مدنيا ففعلا. محمد كان انسانا رائعا جعلها شريكة كل شيء في حياته وسهر على تربية اولادها. والدها الذي عرف بقصتها اخيرا كان يكاتبها ويطلب اليها ان تعود الى لبنان لكنها كانت ترفض الا انه توفي سنة 1948.
اصبحت ماتيل سيدة محترمة مرموقة وثرية وانتخبت رئيسة لسيدات الجالية العربية هناك. في اواخر خمسينات القرن الماضي ذهب محمد عبدو الى لبنان وقصد منزل اهل زوجته. اعجبوا به كثيرا. كان يمهد الطريق لزيارة ماتيل لهم. لم تستطع القيام بالزيارة الا سنة 1961 بسبب اشغالها.
استقبلت استقبال الشخصيات المهمة في المطار وكان لقاؤها باهلها مؤثرا جدا. روت لهم قصتها التي لم يعرفوها باجيالهم المختلفة فبكوا. تحدثت بكل حب عن ذلك الرجل ابن الطائفة الاخرى وكم كان نبيلا معها ومع اولادها.
امضت شهرا ملؤه السعادة في لبنان. سافرت بعد ذلك واستمرت الاتصالات بينهم. توفيت ماتيل بعد ثلاث سنوات من زيارتها وكان زوجها قد مات قبلها بسنة "ومع الجيل الثاني لاولاد الخالات والاخوال توقفت الاتصالات وضاعت هذه العلاقة العائلية مرة جديدة كما ضاعت من قبل مع ماتيل". رويترز