هل يحتاج الأردن إلى حزب أخضـر؟
باتر محمد وردم
02-09-2013 04:18 AM
بقيادة حزب الخضر الألماني في منتصف التسعينيات وتمكنه من المشاركة الفعالة في الحياة السياسية في ألمانيا نتيجة حصوله على نسبة مؤثرة من مقاعد البرلمان، بدأت في العديد من دول العالم ظاهرة تأسيس الأحزاب البيئية الخضراء كأداة يهدف من خلالها ناشطون بيئيون وسياسيون إلى منح صوت للبيئة في عملية صناعة القرار السياسي في العالم، ومنها بعض الدول العربية.
هناك تباين في نجاح الأحزاب الخضراء في العالم العربي. في تونس تمكن حزب الخضر للتقدم من الحصول على نسبة 1.7 في المئة في الانتخابات التشريعية في العام 2009، وبالتالي دخول البرلمان، ولكن الأحزاب الخضراء الأخرى في العالم العربي لم تفلح في تحقيق هذا الهدف الرئيسي للنشاط الحزبي. ما بين حزب خضر نشيط إعلامياً في لبنان إلى أحزاب خضراء في اليمن والسودان ومصر تجاهد للمساهمة في الحياة السياسية، جاء الإعلان عن حزب أخضر جديد في الأردن. هذا يطرح أمام الجميع سؤالاً أساسياً هو هل يحتاج الأردن في هذه المرحلة إلى حزب أخضر؟ في اعتقادي الشخصي أن الجواب هو “لا” وذلك لثلاثة أسباب رئيسية.
السبب الأول هو أن الأحزاب البيئية نشأت في أوروبا ودول أخرى في مجتمعات حققت تقدماً كبيراً في مجال الممارسة الديمقراطية وتمتلك أيضاً وعياً مجتمعياً بأهمية البيئة والتنمية المستدامة. الأحزاب الخضراء في تلك الدول هي إنعكاس لحركة اجتماعية نشطة تضم الشباب والسياسيين والأكاديميين وحتى رجال الأعمال المتنورين بيئياً وليست اسقاطاً نخبوياً من فئة تريد أن تخلق لنفسها دوراً سياسياً ومكاناً تحت الأضواء. في الأردن لا يزال الوعي البيئي والديمقراطي بحاجة إلى النمو، ووجود حزب بيئي يفتقد لقواعد جماهيرية سيجعله أضحوكة وربما يخلق صورة سلبية عن قطاع حماية البيئة بشكل عام. في حال نجحت التحولات الديمقراطية في الأردن في تأسيس نظام انتخابي ومدني حقيقي، قد يتاح المجال لحزب بيئي للحصول على قواعد جماهيرية.
القضية الثانية تتعلق بهوية الحزب. في اعتقادي الخاص أيضا أن الأحزاب البيئية هي مثل الأحزاب الدينية تحاول “احتكار” منبر لرؤية ذات مضمون عاطفي وقيمي عالٍ ولكنها في واقع الأمر لا تمثل احتكار هذه القيمة. الأحزاب الدينية لا تمثل الدين والأحزاب البيئية كذلك هي مؤسسات سياسية تجمع أفراداً قد يكونون مشتركين في الاهتمام بالبيئة، ولكنهم قد يختلفون في المواقف السياسية بشكل كبير ومن الصعب اتخاذ قرارات وبيانات مساندة لمواقف سياسية ذات حساسية عالية. ماذا سيكون موقف حزب الخضر الأردني من الحراك الشعبي أو القرارات الاقتصادية أو المواقف تجاه سوريا ومصر وبقية العالم العربي؟
السبب الثالث هو أن معظم الأحزاب البيئية في العالم العربي غالبا لا تضم نشطاء البيئة الحقيقيين وهذا أيضا من المتوقع أن يحدث في الأردن. النشاط البيئي يحدث بشكل رئيسي في المجتمع المدني وبعض المؤسسات الأكاديمية، ولكن في الأحزاب البيئية العربية بالذات هناك طغيان للشخصيات ذات الطموحات السياسية والاجتماعية التي تجد في البيئة منبراً متميزاً وفريداً لتحقيق النقلة المطلوبة في سلم الوجاهة الاجتماعية والمكانة السياسية. وهذا يطرح سؤالاً جوهرياً وهو “هل كل عضو في حزب الخضر هو ناشط بيئي فعلاً وهل كل ناشط بيئي يجب أن يكون عضوا في الحزب”؟ ربما يجد النشطاء البيئيون مساحة حركة أفضل بكثير في المجتمع المدني والمؤسسات البحثية والإعلامية وغيرها من الأدوات المرنة، بعكس الأحزاب التي تتخذ في العادة مواقف متشنجة وصارمة تنظيمياً.
يجب أن يكون للنشطاء البيئيين في الأردن دور سياسي، وهذا يتطلب العمل على الانضمام إلى الأحزاب السياسية التي تعكس رؤيتهم الفكرية، وبالتالي تضمين بعد بيئي في جميع الأحزاب الإسلامية واليسارية والقومية والليبرالية وغيرها. هذا التوجه قد يكون له تأثير أشد أهمية من حزب بيئي منعزل هامشي لا يمثل النشطاء البيئيين، مع أنه يدعي الحديث باسمهم ولا يؤثر على العمل السياسي الحزبي في الأردن الذي تمر بتحولات عميقة وصعبة تحتاج فعلاً إلى صوت بيئي تنموي عاقل، ولكن من ضمن الحراك السياسي والشعبي الأوسع نشاطاً والأحزاب الأكثر تأثيراً.
batirw@yahoo.com
الدستور