هل يمكن تفادي الضربة بعد تأجيلها؟
فهد الخيطان
02-09-2013 03:17 AM
الهجوم الذي كان متوقعا في غضون أيام، لا بل ساعات، على سورية، تأجل أسبوعين على الأقل، بعد إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما، أول من أمس، نيته التقدم للكونغرس بمشروع قانون يجيز معاقبة النظام السوري على استخدامه السلاح الكيماوي.
خطوة أوباما كانت مفاجئة لأقرب المسؤولين من حوله، وأوثق الحلفاء الدوليين والإقليميين؛ بعضهم استاء من القرار كإسرائيل، وآخرون اصيبوا بالإحباط واعتبروه دليلا إضافيا على ضعف الرئيس الأميركي وتردده.
بعد أن اختار حليفه البريطاني ديفيد كاميرون التوجه إلى مجلس العموم للحصول على دعمه للمشاركة في العمل العسكري، ثم فشل مسعاه هذا، كان لا بد لأوباما أن يفعل الشيء ذاته، ويحصل على دعم ممثلي الشعب الأميركي، كي لا يبدو زعيم أكبر ديمقراطية في العالم، على ما يقول أوباما نفسه، يتصرف كدكتاتور يتفرد بصناعة القرار. ومن ناحية أخرى، فإن أوباما الذي خسر دعم أهم حليف دولي؛ بريطانيا، أصبح في أمسّ الحاجة إلى تفويض الكونغرس ليمنح التحرك العسكري، على محدوديته، الشرعية اللازمة، خاصة وأن العمل العسكري المفترض لا يحظى بدعم من مجلس الأمن الدولي.
أوباما اتخذ القرار كما قلنا بانتظار الضوء الأخضر من الكونغرس، وهو مؤكد على ما يبدو من تصريحات زعيمي الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ. لكن التأجيل لأسبوعين هو فرصة ممتازة، يمكن للجهود الدبلوماسية خلالها أن تغير مسار الأحداث.
غدا، يتوجه الرئيس الأميركي إلى مدينة سانت بطرسبيرغ الروسية، للمشاركة في قمة "مجموعة العشرين". القمة مناسبة لمحادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حول الملف الأسخن. ولعل اللقاء يفتح آفاقا لتحول جوهري في الجهود السياسية المبذولة لعقد مؤتمر "جنيف2" في أقرب وقت ممكن.
يقول الساسة إنه من وسط الأزمات تولد فرص عظيمة للسلام. الأمر ما يزال ممكنا في سورية. لكن الكرة هذه المرة في ملعب النظام السوري، وبوسعه وحده أن ينقلها للطرف الآخر، إذا ما بادر إلى اتخاذ خطوات جدية وعملية، يؤكد من خلالها استعداده للتغيير، وبدء عملية انتقالية واسعة وكاملة في سورية.
يمكن للجانب الروسي أن يقود مبادرة لتفادي الضربة بعد أسبوعين. من بين الخطوات التي تتضمنها، التزام النظام السوري بتدمير ما لديه من مخزون كيماوي تحت إشراف الأمم المتحدة، وإطلاق سراح آلاف المعتقلين من سجونه، وتعويض ضحايا مجزرة الغوطة، واتخاذ الإجراءات اللازمة بحق من تورط في استخدام الأسلحة الكيماوية، إذا ما أثبت تقرير فريق المفتشين الأممي أن النظام السوري هو من استعمل تلك الأسلحة.
سلسلة من الخطوات الجريئة تكفي لإبطال مفعول أي عمل عسكري، وتنسف مبرراته، خاصة إن ارتبطت بتحرك سياسي لتسوية تاريخية في سورية؛ توقف سفك الدماء، وتعزل المجموعات المتطرفة، في إطار عملية مصالحة شاملة مع المعارضة السورية وجميع مكونات الشعب السوري، ترعاها الأمم المتحدة والقوى الدولية الفاعلة.
يتعين على النظام السوري أن لا يذهب بعيدا في استنتاجاته الخاطئة، فيتصرف كمنتصر بعد تأجيل الضربة؛ لأن تفويض الكونغرس سيجعل أوباما في وضع أقوى، يؤهله لتنفيذ عملية أوسع من تلك التي كان يخطط لها.
التأجيل فرصة إذا ما أحسن استخدامها، يمكن أن تخط مسارا جديدا للأحداث في سورية وفي الشرق الأوسط.