نحن وأمريكا بين حرائق سوريا
31-08-2013 11:34 PM
لم يدرك الرئيس السوري بشار الأسد أن حريقا بسيطا في حشائش البستان جنوب البلاد اليابسة من كل تنمية ، ستشعل أكبر حريق ممتد في غابات سوريا بأكملها ، ومرد ذلك الى " الكبِر والعناد " المسكون به قادة الجماهيريات الحزبية خصوصا ممن سكنت بهم عقدة الوصول للحكم عبر الدبابات والإنقلابات ، لذلك مرت على الأرض السورية سنتان لا تحصى أشهرها بعدد الأيام بل بعدد القتلى والضحايا والمشردين واللاجئين الى الملاذات الآمنة في الأردن وتركيا ولبنان ومصر أيضا التي تحاول الخروج من مأزق الحريق .
سوريا اليوم تحت ويل الحرب الداخلية ، وغدا ستكون تحت ويل وابل صواريخ " توما هوك " من البحر ، وصواريخ ذكية جديدة لم تجرب بعد تلقي بها أسراب طائرات تتحفز للإنقضاض كأسراب العقبان تجول على فرائسها الميتة ، فما الذي سيبقى من سوريا الدولة والمؤسسات والبنى التحتية حينئذ ، صدقوني ستعود سوريا الى عصر الحجر ولن تهدأ فيها حرائق الطائفية والحرب الأهلية لسنين طويلة ، ولا يصدق أحد عن مؤتمر قادم لإعمار سوريا ، بل أن أعمار أجيالها ستقصُر وسيسرح الإرهاب فيها من الجانبين .
بعد سنتين من القتل والتدمير الذي طال مئات الآلاف من الأرواح وغالبية البنية التحتية لم يتحرك العالم لحل يحقن الدماء ويعيد الأمور الى نصابها ، لاأعتقد أن قضية السلاح الكيماوي هي سبب مغرّ للتدخل لحماية المدنيين ، فهل هناك فرق بين السلاح التقليدي وبين الكيماوي عندما نتحدث عن مائتي الف قتيل وملايين المشردين ، ولكنها اللحظة المواتية لإنهاء القوة الاقتصادية والعسكرية السورية من جهة ، وتحذير إيران ومعاقبتها وهي التي اختارت ان تكون سوريا جبهة لها في حرب الطوائف لإظهار قوة عزيمتها أمام التحدي النووي وشراء مزيدا من الوقت لتسريع صناعتها النووية مهما كانت أغراضها .
إذا فإن حربا محددة ومحدودة وضربات سريعة وقاصمة إذا شنتها القوات الأمريكية مع أو بدون حلفائها ضد اهداف سورية محددة سلفا ، لن تكون أكثر من نزهة بين حرائق الأرض السورية التي اشتعلت في البداية بأيدي أبنائها ، والخشية أن يتم استهداف مواقع البنى التحتية الرئيسة في سوريا فضلا عن المواقع العسكرية الأساسية ، وهذا سيعقد الوضع أكثر مقابل مساحات شاسعة خارج سيطرة الجيش النظامي أو الجيش الحر ، والذي ترتع فيه ما يسمى بقوات المجاهدين والمقاتلين وجماعات القاعدة والنصرة وغيرها ، ما يترك فراغا كبيرا كان الجيش السوري والجماعات المواليه للنظام تلعب دورا فيه لقتالهم ، فهل تسمح أمريكا والغرب لبقاء الجماعات الجهادية تسيطر على الأرض هناك ، خصوصا أن الرئيس باراك أوباما قال أنه لن يستخدم قوات بشرية في حال قرر ضرب النظام السوري .
ما يهمنا اليوم أكثر هو بيتنا الأردني الذي يجُمع الجميع فيه ، من جلالة الملك وحتى أصغر أرباب الأسر الذين يشعرون بوجع أمتهم ، على عدم التورط بالحرب على سوريا من عمقنا الأردني ، وعلى حماية الأرض السورية من مخاطر التقسيم وإبادة المدنيين على أيدي الجيش وكتائب الطوائف ،فعلى الأردنيين الذين يحبون الوطن فعلا ، ويفهمون أن الوحدة الوطنية والتكاتف المجتمعي والتقارب السياسي بين فرقاء السياسة هو الملاذ الآمن بعد الله تعالى ، فليتكاتفوا معا لحماية الوطن والشعب ، وأن يفتحوا أعينهم جيدا لمصير هذا الوطن ، وأن لا يسمحوا لأي أخرق أن يشعل حريقا ولو بسيطا في أي جزء من وطننا فننجر الى ما نخشى عن غباء ، وأن لا يتهافتوا على موارد السوق وكأن صواريخ الجوع ستفتك بنا .
لقد أدركنا متأخرين أن بعضا من سوريا هي رئتنا في الأردن واكتشفنا كم نحن معتمدون على الصناعة السورية والتجارة البينية بيننا ، لذلك علينا أن نعيّ أن أي حرب مدمرة على سوريا سنكون نحن أكثر الخاسرين منها مشاركة مع الشعب السوري بالدرجة الأولى ، ولا يطمع أو يفرح أحد بحرب على بلد شقيق مهما كانت الأسباب ، فسنتأثر بشكل سلبي ، إن لم يضطرنا ذلك الى القرار الأصعب لحماية بلدنا من خطر جانبي نتيجة ما سيحدث ، فلنسيطر على اعصابنا رغم عدم وضوح الرؤية .
Royal430@hotmail.com