حين يُستبدل الخطأ بالخطيئة!
أ.د عمر الحضرمي
31-08-2013 03:33 AM
على مدى أكثر من عامين، والعرب يعيشون في حالة من الهلع السياسي والاجتماعي والأمني والاقتصادي، بعض منها لا يسمح لأحد أن يفكر أو يُحلل أو يناقش، والبعض الآخر لا مجال معه للفهم أو للإدراك. ولكن هناك جامعاً بين هذين «البَعْضَيْن» هو أن خطأ ما هو واقع بين الأنظمة والدول وبين الأطياف السياسية والفكرية فيها. وبالرغم من أن هناك مجموعة من الحقائق التي يجب ألا تغيب عن بال أحد، فإن مساحات الاختلاف هي، بالضرورة، غير مقبولة أن تفرض نفسها على المشاهد السياسية، وإلا فإنها تغدو هي المسيطرة على مسيرة الحدث، فيتحوّل الخطأ إلى خطيئة.
وحتى ندرك ما ذهبنا إليه، فإن المقاربة ستكون في عدد من الدول العربية التي احتلت مساحة الحدث المحلي والإقليمي والدولي، أولها العراق، حيث هجمت عليه قوى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بحجّة أنه يملك أسلحة دمار شامل، وأنه احتل الكويت، وأنه محكوم بالدكتاتوريّة. وراحت الصور الكرتونية تكبر حتى صدّقها صانعوها أنفسهم. ودُمّر العراق، وأعاده العدوان إلى ما قبل الحضارة، وبدأ، ولا يزال، يعاني من جرح نازف. وهكذا تحوّل الخطأ في العراق إلى خطيئة.
وفي ليبيا شهدنا إسقاط نظام القذافي، على يد حلف الأطلسي بقيادة فرنسا (التي تبين أن رئيسها آنذاك ساركوزي هو صنيعة المال الليبي)، وتدمّر البلد، ودخل في حالة من الفوضى لا يُعرف مداها ولا منتهاها. وانهارت البنية التحتية للدولة، مادياً وقانونياً وإدارياً. وهنا لابد من الاعتراف بأن ليبيا كانت في الأصل دولة فاشلة وخاطئة، إلا أن ما حدث بعد ذلك أن الخطأ قد أسْتبدل بالخطيئة.
وفي سوريا، نشهد الآن حالة من اللامعقول، حيث دخلت جماعات مسلحة تمثل قوى دولية إلى الساحة السورية مزوّدة بالمال والسلاح، ومرسومة لها الأهداف والمهام. وبدأت تعيث فساداً، بحجة أن النظام هناك فاسد ومستبد وشرير، وأن الحل الأمثل لإزالته هو باستخدام قوّة السلاح. وأخذت سوريا تدخل في أنفاق هي أشد ظلمة من الأنفاق التي حفرها المسلّحون تحت جلد البلد. واندفعت أطراف الإستقواء الدولي لترسم طريق حرير جديد يمكّنها من السيطرة على المنطقة ومقدّراتها وإعادتها بالقوة وإشاعة الفوضى، إلى مرتبة العبودية والتبعية. وهنا اسْتُبْدِل الخطأ بالخطيئة.
ولا يزال المسلسل في مشاهده الأولى، حيث وجدنا أنفسنا أمام ما يحدث في مصر، عندما ركب الإخوان المسلمون موجة ثورة 25 يناير بعد أن خطفوها، ودخلوا في حالة من التزييف السياسي والقانوني والأمني وحتى الديني، وبدأوا ببناء دولة إقصائية، حدودها ومكوّناتها منهم. وراحوا يقسّمون مصر إلى أجزاء ويبيعونها «بالقطّاعي». وكانوا، في بداية عهدهم، قد ملأوا الدنيا نقداً لعهد مبارك، يفضحون ممارسته، إلا أن ما حدث أنهم ذهبوا في غيّهم إلى أن أدخلوا البلد في حالة من الارتباك والشذوذ السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهنا استبدل الخطأ بالخطيئة.
وفي لبنان تكررت حالة استبدال الخطأ بالخطيئة منذ عام 1975 عشرات المرات. إذ بدأت القوى الصغرى والكبرى، الداخليّة والخارجيّة، تنهش جسد البلد، وتَصْبِغُ وجه بيروت كل يوم باللون الأحمر، وتسوقها إلى «مطارح» من الاقتتال الشرس بحجة تصحيح الأوضاع. ومما يؤلم أنه في كل حين يَثْبت أن الكثيرين لا يريدون للبنان السلامة، ولذلك ذهبوا بالانقضاض على ما سمّوه «بالخطأ»، دون وعي أو ادراك أو نيّة صافية، وركبوا رؤوسهم حتى لو أدى ذلك بهم إلى ارتكاب الخطيئة العظمى.
ومما يدمي القلب أن كل هذا يحدث على الأرض العربية، ولا أحد يُحرّك ساكناً وكأنما استمرأنا شرب المُرّ، واستسغنا المقزز، وبدل أن نرفضه رحنا نلعق شفاهنا استمتاعا، ونقنع أنفسنا بأن فيه الشفاء العاجل.
الرأي