رغم كبير فرحي وعظيم نشوتي بفوز كتابي (أصابعي ترى) بجائزة إربد مدينة الثقافة الأردنية لعام2007، ورغم إجلالي لمدينة أحبها وأعشق سهولها وناسها، إلا أنني أفكر جدياً بالاعتذار عن قبول تلك الجائزة، ليس استصغارا لتظاهرة المدن الثقافية التي تجعل تباعاً من كل مدينة أردنية محجا ثقافيا ومقصدا، وليس استصغارا لمعنى الجائزة ورمزيتها وأهميتها في سجل كل أديب وكاتب، وإنما تسجيلاً لموقف كان يجب أن يسجل منذ زمن، وأن لا يبقى فكرة يراودنا طيفها، فالمثقفون والكتاب والشعراء في هذه البلد يعيشون في الغالب على هامش الهامش، وفي متن التهميش، ولهذا آن لنا أن نبق الماء من أفواهنا ونصرخ بصوت مرفوع!!.
أمي التي يفرحها أي شيء لنا، أطلقت زغرودة عابرة للحارات عندما سمعت خبر الجائزة، وقالت الآن حلت مشكلتك من قرميتها، ولازم يكون عندك بيت ملك، وتخلص من الإيجارات والمرمطة والرحيل والنزيل، وزوجتي ألمحت بأن نغير السيارة فالعائلة تكبر، وصاحب الدكان صارحني بأن لديه مشروعاً يدر ذهبا، وأنه يرغب بمشاركتي، وما علي سوى التمويل!!، فهززت رأسي هامساً في نفسي: اللي بدري بدري والما بدري بقول: كف عدس!!.
الأصدقاء تجمعوا مساء، وطالبوني بوليمة عامة جامعة للأحباب والأصحاب، وليمة باللحم البلدي والجميد الكركي، وكان معظمهم قد همس في أذني بأن أداينه مبلغا بسيطا ليذلل به عقبة تعتري دربه: أحدهم يريد أن يكمل سيراميك مطبخ بيته وخزائنه، وثاني ليكمل نصف دينه، على فرض أن نصفه الأول متوافر لديه ومكتمل، وثالث يريد دفعة أولى لسيارة صغيرة، ورابع تهف نفسه عليه لزيارة مصر!!.
أريد أن أصرخ: آن الأوان أن يقدر الكتاب والشعراء تقديراً يوازي حركة المجتمع، ويحاكي نظرته المادية نحو الأشياء، وأن لا نكتفي بالتربيت على أكتافهم مع منحهم كلمة شكر، أو نسيان النطق بها في كثير من الأحايين، وأن لا تظل الفكرة سائدة بأن الكتابة هي مهنة الفقر حتى القبر، وعلى الكتاب أن يحمدوا الله أن نابهم أدنى شيء وعليهم أن يرضوا بما قدم لهم!!.
وعودة على جوائز مدينة إربد الثقافة، فالقيمة المادية العظيمة ستكفيني كي ألبي رغبة أمي ومطمح زوجتي وتكفيني لأرضي أصدقائي وأصحابي، فالخمسمائة دينار (قيمة الجائزة) بعد أن تسلخ منها الضريبة وثمن الطوابع، ستكون كافية ووافية لشراء نصف البلد، وهنا المضحك المبكي!!، فيا ترى هل يقبل مغنٍ ناشئ بهذا المبلغ الزاهيد ليؤدي وصلة طربية أو طرشية في عرس صغير بحارة ضغيرة!!.
لا أطالب أن يغتني الأديب من جائزة ما، ولكن القيمة المادية دائما تعزز القيمة الأدبية للجوائز، وترفع من شأنها في عيون العامة والخاصة، فجائزة إربد مثلاً كانت مفتوحة على مستوى الوطن العربي، وقد نالها فائزون لهم حضورهم القوي على الساحة، وقد منحت عن كتاب منشور، فلماذا إذن هذه القيمة المتدنية لها: وأريد أن أسأل كم نال الراقصون في الأوبريت الغنائي الذي قدم في الحفل الختامي (مع كل الاحترام لهم)، وماذا كان سيحدث لو تساوينا معهم، سيما أن المبلغ الممنوح للمدينة الثقافية يتاخم المليون!!. فهل يحق لي رفض هذه الجائزة أيها الأصدقاء؟!!!.
ramzi972@hotmail.com