كانت انتخابات بلدية نزيهة، رغم بعض مشاكل هنا وهناك، تسبب بها الجمهور. لكن لم تكن هذه هي القضية، بل جدوى إجراء الانتخابات بالقانون القديم، وبدون حل مشكلة الدمج. وكما توقعنا، كان الإقبال ضعيفا، وجو الانتخابات باهتا، رغم جهود الإعلام الرسمي، وجهود التلفزيون الأردني، لصنع "عرس ديمقراطي" لم يكن موجودا على الأرض.
لقد وصل الأمر في بعض المناطق، مثل عجلون التي تطلب الانفصال، حد عدم ترشح أحد. وفي مناطق أخرى نجح مرشحون بالتزكية. وبالإجمال، كان هناك استنكاف واضح من أصحاب الشأن والكفاءات عن الترشح، وكذلك بالنسبة للكوتا النسائية. وغالبا ما اقتصر جمهور الناخبين على دائرة التأثير الممكنة للمرشحين، بينما أغلبية كانت تدير ظهرها ولا تبدي أدنى اهتمام بالانتخابات.
لا أقدم مشهدا سلبيا؛ فالواقع أن هذه الانتخابات كانت مجرد "تسليك" لأمر واقع، فرضته المواقيت القانونية. وكان الأصح أن تأتي تتويجا لمشروع إصلاحي للبلديات، يحل قضية الدمج، ويضع هيكلية جديده بقانون عصري يوسع صلاحيات البلديات ويطور مصادر دخلها.
المهم أننا انتهينا إلى الوضع الحالي، وقبلنا على مضض بهذه الانتخابات. لكن الخشية أن تسترخي الحكومة بعدها، فتضع هذا الملف وراء ظهرها؛ فبين يديها من الملفات ما يكفي لتنشغل، لنجد وإذا بالعامين المتاحين قبل الانتخابات المقبلة وقد "طارا" مثل لمح البصر والأمور على ما هي عليه، وليس في جعبة الحكومة (هذه أو غيرها) أي فكرة أو مشروع للتغيير!
أرجو أن تأخذ الحكومة بالاعتبار أن الكثير من البلديات مررت الانتخابات وليس في نيتها البقاء يوما واحدا إضافيا تحت الدمج. وأضرب مثالا من دائرتي الانتخابية، حيث بلدات كبيرة، مثل الحصن وأيدون، لا تريد أن يُفرض عليها البقاء عامين ونصف العام ممثلة بمندوب في إربد الكبرى. والحقيقة أن هناك لواء وحيداً في المملكة تم دمجه مع بلدية كبرى هو لواء بني عبيد جنوب إربد، ضد رغبة الأهالي. وقد تمنت الحكومة على أهل اللواء تمرير الانتخابات ليتم بحث الفصل بعدها. وسيشعر المواطنون بالخديعة إذا لم يحدث هذا.
المهم أن الحكومة يجب أن تباشر فورا بتكليف وزير البلديات ووزير الداخلية، بالشراكة مع النواب وكفاءات مختلفة على شكل لجنة موسعة، لوضع تصور ليس فقط للبلديات، بل أيضا للحكم المحلي واللامركزية، لأنني أعتقد أنها مترابطة، وفي إطارها يمكن حل مشكلة الدمج والصلاحيات.
أتخيل صيغة لثلاثة مستويات للحكم المحلي، هي: المجالس المحلية للبلديات، ثم مجالس على مستوى اللواء ترث البلديات المندمجة، ثم مجالس المحافظات التي هي بمثابة برلمان محلي يشرف على الحكومة المحلية المكونة من مديري الوزارات في المحافظة. ويمكن العمل بصيغة انتقالية مبسطة تخفف عدد العمليات الانتخابية. فمجلس المحافظة يمكن أن يتشكل من رؤساء مجالس الألوية ورؤساء هيئات أهلية منتخبة، مثل غرف الصناعة والتجارة والنقابات المهنية وغيرها. ومجالس الألوية تتشكل بدورها من رؤساء المجالس المحلية (البلدية) المنتخبة، ومن يضاف لهم وفق نسب تمثيل عادلة للمدن والبلدات. وتوزع السلطات على هذه المستويات الثلاثة وفق مشروع قانون للحكم المحلي والبلديات. أما أمانة عمان الكبرى المحكومة بجملة استثناءات خاصة داخل قانون البلديات، فيمكن أن يكون لها قانون مستقل؛ لخصوصيتها، وهي تشكل ثلث المملكة تقريبا.
jamil.nimri@alghad.jo
الغد