الاعتصامات وفضُّها في ضوء القانون المصري
د.عادل الحياري
29-08-2013 04:06 AM
الإنسان مخلوق اجتماعي بالفطرة، فهو مدفوع بالسليقة إلى الاجتماع بغيره من البشر، لتحقيق متطلبات الحياة المختلفة. وكنتيجة لهذا التجمع، نشأت الأسر والمدن والشعوب، كما نشأت السلطة كضرورة لتنظيم هذه التجمعات، وذلك تجنباً لوقوع التصادم والتنازع.
وقد استقر التطور إلى قيام الدولة الحديثة، والتي هي عبارة عن كيان تجتمع فيه الأمة بكل مقوماتها، ممثلةً بالسلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، والتي يقع عليها عبء حماية وتنظيم وممارسة الحقوق والحريات، بما يؤمن سلامة حركة المجتمع نحو التقدم والازدهار.
ولا غرابة أن نرى أن أحد مقاييس ازدهار الدول الحديثة من الناحية السياسية، يكمن في مقياس مدى تمتع شعوبها بالحقوق والحريات الاساسية. ومن هنا نجد أن الدول أصبحت تتبارى في تضمين دساتيرها نصوصاً تخص الحقوق والحريات، وعلى رأسها حق الاجتماع، باعتباره الركيزة الأساسية لكافة الحقوق والحريات الأخرى، وبخاصة حرية الرأي والتعبير، حتى جاز للمحكمة الدستورية العليا المصرية أن تطلق على هذا الحق «حرية التعبير الجماعي».
ومع أن الدساتير قد نصت على حق الاجتماع العام، إلا أن تنظيم ممارسة هذا الحق تُركت للقوانين، لكي تبين أن هذا الحق لا يمكن أن يكون مطلقاً، بل يجب أن يمارس وفق منهج ينسجم مع حرية المجتمع ككيان اجتماعي من جهة، ومع حرية الأفراد بوصفهم كيانات مستقلة من جهة أخرى. ولكن التسليم بوجوب تنظيم ممارسة هذا الحق، لا يجب أن يصل إلى درجة إنكار الحق ومصادرته.
وحق الاجتماع العام يخضع إلى نوعين من الإجراءات. النوع الأول: يتلخص بالإجراءات التي يتوجب على منظمي الاجتماع العام القيام بها، وبدايتها تقديم إشعار مسبق للسلطات العامة يبيِّن النيّة في عقد الاجتماع العام. أما النوع الثاني من الإجراءات، فيتلخص في التدابير الاحترازية التي تتخذها الإدارة لضمان ممارسة حق الاجتماع العام.
وفيما يخص الإشعار الذي يجب على منظمي الاجتماع إرساله إلى الإدارة، اشترط القانون أن يتضمن الإشعار -الذي يجب أن يكون خطياً، وأن يصل إلى الإدارة قبل انعقاد الاجتماع بثلاثة أيام- اشترط أن يتضمن مجموعة من البيانات، تشمل تحديد زمان ومكان وموضوع الاجتماع، وأسماء وصفات ومحال توطن أعضاء اللجنة المنظمة للاجتماع. وقد وضع القانون قيوداً مكانية وزمانية على عقد الاجتماع العام، فلا يجوز عقد الاجتماع في أماكن العبادة أو المدارس أو أي من المؤسسات الحكومية. كذلك لا يجوز أن يمتد الاجتماع إلى ما بعد الساعة الحادية عشرة ليلاً، إلا بإذن خاص من رجال الأمن.
وبشأن إجراءات الإدارة، فهي الإجراءات التي يمنحها مبدأ الضبط الإداري للإدارة، ويقصد به صلاحية الإدارة في اتخاذ تدابير احترازية وأمنية للمحافظة على النظام العام بعناصره الأربعة، وهي الأمن والصحة والسكينة والآداب. هذا وقد يصل مدى الإجراءات إلى فض الاجتماع العام بالقوة. وقد قيَّد المشرع المصري حق رجال الأمن بفض الاجتماع بالقوة وحصرها بحالات محدودة، هي: 1) إذا لم تؤلف لجنة للاجتماع أو إذا لم تقم اللجنة بوظيفتها. 2) إذا خرج الاجتماع عن الصفة المعيَّنة له في الإشعار. 3) إذا ألقيت في الاجتماع خطب أو حدث صياح أو أنشدت أناشيد مما يتضمن الدعوة إلى الفتنة، أو وقعت جرائم من تلك المنصوص عليها في قانون العقوبات أو غيره من القوانين. 4) إذا وقع إضطراب شديد.
وفي سياق فض الاجتماع بالقوة من قبل رجال الأمن، فالأصل هو حق الاجتماع السلمي، والاستثناء هو فض الاجتماع بالقوة. ونتيجة لذلك فقد وردت مجموعة من الضوابط والمعايير الدولية لتحكم استخدام مكنة إنهاء الاجتماع من جانب الموظفين المكلفين بالتنفيذ، تتلخص بالآتي: 1) وجوب ممارسة ضبط النفس للتقليل من الأضرار والإصابات بين المجتمعين. 2) وجوب إصدار تحذير صريح بلزوم فض الاجتماع، كاستعمال البوق أو الصفارة أو المنشورات، أو غير ذلك من الوسائل، على أن تتاح الفرصة الكافية لتنفيذ التحذير. 3) يجب استخدام القوة بصورة تتناسب مع ضرورة الحاجة لتنفيذ القانون. فإذا تعسف المنفّذون في استعمال القوة، وجب أن يكونوا تحت طائلة المسؤولية الجنائية. 4) لا يجوز استعمال الأسلحة النارية، إلا إذا تعَّذر استعمال وسائل أقل خطراً، وأن لا يتم استعمال السلاح الناري إلا في حالة الدفاع عن النفس، أو دفع خطر محدق يهدد حياة الناس الآخرين. 5- يجب أن يتاح للمتضررين اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالتعويض، جراء استعمال القوة المفرطة ضدهم.
بسطنا فيما تقدم الأحكام التي تنظم حق الاجتماع العام في مصر، والذي يتبدَّى بالمسيرات والمظاهرات إذا كان الاجتماع متنقلاً، أو بالاعتصامات والتجمعات إذا كان الاجتماع ثابتاً. والقصد أن يتمكن القارئ من الحكم، في ضوء القانون، على ما يجري من إجراءات وأفعال، سواء كانت من قبل السلطة القائمة، أو من جانب المجتمعين.
والمشكلة التي تقدم في وجه المتتبع للأحداث في مصر، هي أن جميع المعلومات التي تصل إليه، مصدرها وسائل الإعلام. وهذه الوسائل لها غايات واتجاهات متعارضة، وقلَّ ما تجد وسيلة حيادية لا تقول إلا الحقيقة والحقيقة فقط. فإذا نظرت إلى قناة العربية، نرى أن السلطة القائمة في مصر، هي سلطة شرعية، انبثقت عن ثورة شعبية، أطاحت بحكومة مستبدة، وبالتالي فإن جميع إجراءاتها حيال المسيرات والاعتصامات، إجراءات قانونية. أما الاعتصامات، فتعتبر من وجهة نظر هذه الجهة، أنها ليست قانونية، لأنها لم تستوفِ أياً من الشروط الواجب توافرها بموجب القانون.
أما إذا نظرت إلى قناة الجزيرة، فإنك ترى النقيض مما تقدم، فالسلطة القائمة هي سلطة مغتصبة، لأنها جاءت نتيجة انقلاب عسكري انقلب على الشرعية، وبالتالي فإن ما يصدر عن هذه السلطة هو غير قانوني، وتعتبر الاعتصامات من وجهة نظر هذه الجهة، أنها اعتصامات قانونية، لأنها تطالب بإزاحة السلطة الانقلابية، وعدوة السلطة الشرعية لتحل مكانها.
وهنا نعود إلى جدلية تشخيص ما حدث في مصر. أهو انقلاب أم ثورة؟ وهو الأمر الذي كتبنا فيه مقالة سابقة، وبسطنا الأحكام القانونية، وعرضنا وقائع ما حدث، بما في ذلك وجهات نظر المتنازعين، وتركنا للقارئ الحكم على الحدث حسب قناعته. ولكننا ذكرنا في نهاية المقالة الرأي التالي، «ومهما يكن من أمر الاختلاف في تكييف الحركة -وهل هي ثورة أم انقلاب- فإن النتيجة التي تنتهي إليها الحركة، هي التي تحدد وضعها بالنهاية. فإذا نجحت فالحكم لها، وإذا فشلت فالحكم ضدها. ذلك لأن الحركة عبارة عن صراع بين قوتين ماديتين، قوة المعارضة وقوة الحكومة، والتي تنتصر يكون لها الغلبة والحق إلى جانبها».
الرأي