كان أول انقلابات العرب بإمضاء عراقي على يد الفريق أول بكر صدقي في العراق بالإنقلاب على حكومة ياسين الهاشمي في شباط 1937، والذي فشل بسبب وقوف بريطانيا ضده، ثم في محاولة عبد الله الزبير في اليمن العام 1948، والتي فشلت أيضاً، لكنها مهدت لأول حدث انقلابي في آذار 1949، تلاه انتخابات فاز بها قائد الإنقلاب بنسبة 99.99% وكان ذلك براءة اختراع للزعيم حسني الزعيم في سوريا الثورية التقدمية فيما بعد.
وسوريا كانت الدرس الأول، فالزعيم لم يمض سوى ستة شهور، إلا وفتح الباب مشرعاً على انقلابات توالت منذ سامي الحناوي في آب 1949، وبعد أربع شهور في كانون أول 1949 خرج البيان الأول للعقيد اديب الشيشكلي يقول فيه:» ثبت لدى الجيش أن رئيس الأركان العامة اللواء سامي الحناوي وعديله السيد أسعد طلس، وبعض ممتهني السياسة في البلاد، يتآمرون على سلامة الجيش وسلامة البلاد ونظامها الجمهوري مع بعض الجهات الأجنبية».
في فبراير 25 شباط 1954 قام الرئيس هاشم الأتاسي الملقب «أبو الجهمورية» بالانقلاب العسكري الرابع الذي أعاد الأتاسي إلى الحكم، وفر الشيشكلي إلى بيروت. ثم توالت على سوريا الانقلابات وسيطرة الضباط منذ انقلاب البعث في الثامن من آذار 1963 وصولا للحركة التصحيحية الثورية العام ليثبت حافظ الأسد في 12 آذار 1971 أول رئيس علوي في التاريخ لدولة سوريا، واستمرت سلطة الإنقلاب حتى اليوم.
عاش حافظ الأسد جمهورياً، بسلوك ملك، ومات وشيع كذلك، فاستن سنة أودت بعروش كل من حاول أن يقلده، مبارك وزين العابدين بن علي وعلي عبد الله صالح، وهكذا يكون بشار آخر ما يعلق في الذاكرة من زمن الثورات والجمهوريات التي لم تجر إلا الخوف والاستبداد.
بعد سوريا حسني الزعيم لم يدم الإنتظار طويلاً، فكانت مصر على موعد مع الانقلاب والثورة الأكثر حضوراً في الوعي العربي المعاصر، وكان ذلك في 23تموز 1952، ولم يغفل بيان الثوار بصوت محمد أنور السادات أن يؤكد دور الجيش الحامي للدستور والدعوة لعدم اللجوء لأعمال العنف والتخريب.
ذات الأمر تكرر، أراد اللواء محمد نجيب قائد الحركة الثورية تطهير الجيش من الفساد والفاسدين والتأسيس لانتقال سلمي لإدارة مدنية، ومع ان دوره كان محورياً في انتصار الثورة وهو سر نجاحها، إلا أن رفاقه من الضباط الأحرار في مجلس قياة الثورة عزلوه ووضعوه بالإقامة الجبرية، وتولى مكانه البكباشي جمال عبد الناصر، لينتقل بمصر من الملكية إلى الجمهورية العسكرية الإقطاعية التي صدمت بفشل تجربة الوحدة وتورطت بحرب اليمن ثم بهزيمة 1967.
وفيما اختلف عن هؤلاء العقيد علي عبد الله صالح الذي لم يكن دموياً في مرحلة الخروج من السلطة، مع أنه بدأ الحكم باعدام ثلاثين ضابطا اتهموا بمحاولة الانقلاب عليه في آب 1978، إلا أنه شابه أقرانه العسكر في النتائج التي حققها، فترك السلطة واليمن الاكثر فقراً وأمية وبطالة. أي أنه لم يحقق من الوعود التقدمية الشيء الكثير بعد ثلاثين سنة من الحكم 1978-2012 في بلد تتوطد به القبائلية والانقسام بشكل يحول دون أي تقدم.
العقيد علي محمد ولد فال هو الأفضل في سلسلة الإنقلابيين العرب، فهو الوحيد الذي التزم بما وعد، وترك السلطة بعد أقل من عامين على انقلابه على الرئيس معاوية ولد سيدي الطايع العام 2005 في موريتانيا، لكنها أبت الديمقراطية فعادت للانقلاب من جديد وما زالت تعيشه سلطته.
أخيراً، عاشت سوريا طويلاً تحت سلطة الإنقلاب الأسدي، وسيكون خروج بشار الأسد مكلفاً لها، ولكنه يمثل نهاية زمن جمهوري بائس، وبداية زمن جديد بدون شك.
Mohannad974@yahoo.com
الدستور