إن استخدام الدولة للاستراتيجية التي تراها مناسبة للتعامل مع الأزمات يرتبط بالظروف الموضوعية الداخلية والخارجية وبالامكانات المتاحة ،وبالسمات الشخصية للقيادة المسؤولة عن إدارة الأزمة .
وتلجأ الدول خلال الأزمات الدولية إلى استراتيجية متشددة من شأنها تصعيد الأزمة بهدف تغيير الوضع القائم،وتحقيق أهداف محددة.وتسعى هذه الدول لتحقيق أهدافها من خلال التصريحات التحذيرية والاستفزازية.
والتهديد باستخدام القوة،واستعراضها باستخدام بعض القوات العسكرية بطريقة استعراضية .
وقد تستخدم بوضع وحدات عسكرية في المواجهة ،وقد تحدث مواجهات عسكرية محدودة . وتلجأ الدولة للتشدد والتصعيد بعد حسابات دقيقة للمكاسب والخسائر التي يمكن أن تترتب على هذه الاستراتيجية ،اعتقاداً منها أن التشدد سيؤدي إلى نتائج إيجابية بالنسبة لها،لن تتحقق باتباع سياسة أخرى.
وقد تلجأ دولة ما إلى افتعال أزمة مع دولة أخرى اعتقاداً منها أنه بالامكان تحقيق أهداف محددة دون اللجوء إلى استخدام القوة ,وتقوم هذه الدولة على تهديد الخصم لإجباره على تقديم تنازلات محددة ترتبط بقضية محددة.
وتلجأ الدولة المفتعلة للأزمة إلى بعض الذرائع التي تمكنها من التغيير في الوضع ، عندما تدرك أن الدولة الأخرى غير مستعدة للتنازل أو التفريط ، وأنها ملتزمة ومتمسكة بالدفاع عن حقوقها .
فتقوم بالاعلان عن خيارات جديدة تعتقد أنها تتيح لها الالتفاف على مواقف هذه الدولة وبالتالي إضعافها .وذلك من خلال الضغط وتكثيفه ،وهذا سيجعلها في موقف حرج وصعب وعاجزة عن المواجهة ،إما بسبب عدم امتلاك القدرات والإمكانات اللازمة ،أو بسبب عدم الرغبة في استخدام هذه الإمكانات.
وغالباً ما تستعمل هذه الاستراتيجية في أزمة أو صراع تكون المعادلة بين أطرافه متباينه وغير متكافئه ،أي أنها تكون لصالح طرف دون آخر .
وقد استخدم الرئيس جمال عبد الناصر هذه الاستراتيجية في عملية تأميم قناة السويس عام 1956.حيث أدرك أن فرنسا وبريطانيا ملتزمتان ومتمسكتان بالدفاع عن الوضع القائم لقناة السويس،ولكنه أدرك أن استراتيجية الضغط التي استخدمها من خلال تأميم قناة السويس يمكن أن تنجح في تطويق هذا الالتزام والالتفاف عليه.
وقد يسعى الطرف المهاجم إلى افتعال أزمة ما بقصد التوصل إلى حلها ،من خلال إحداث تغيرات سريعة وحاسمة تحقق أهداف الطرف المهاجم .
وهذه الاستراتيجية قد تؤدي إلى نتائج عكسية على الدولة المفتعلة للأزمة ,وهذا ما حدث في أثناء العدوان الانكليزي – الفرنسي – الاسرائيلي على مصر عام 1956.حيث حاولت هذه الدول فرض واقع جديد من خلال احتلالها لقناة السويس،ولكن نتائج العدوان أكسبت مصر وعبد الناصر شعبية كاسحة في الوطن العربي .
وتلجأ بعض الدول إلى سياسة الاستنزاف لتحقيق أهدافها من خلال تغيير الحالة القائمة .وتلجأ إليها سواءٌ افتقدت القدرات والامكانات اللازمة لفرض الأمر الواقع .
وكثيراً ما تستخدم هذه الاستراتيجية من الطرف الأضعف في الأزمة القائمة,وذلك باتباعه أسلوب حرب العصابات والأعمال العسكرية المتفرقة . وثمة أمثلة متعددة على مثل هذه الاستراتيجية ،فقد استخدمتها فيتنام الشمالية ضد الولايات المتحدة الأمريكية .
والمقاومة الوطنية اللبنانية ضد القوات الإسرائيلية .واستخدمتها سورية ومصر ضد القوات الإسرائيلية بين عامي 1969- 1970م. كما يمكن أن تستخدم هذه الاستراتيجية من الطرف القوي لإجبار الطرف الأضعف على القبول بأهدافه من الأزمة .
وقد استخدمت دول حلف الأطلسي سياسة الاستنزاف ضد يوغوسلافيا من خلال ضربها المنشآت الاقتصادية والعسكرية والخدمية لإجبارها على القبول بشروط الحلف لحل قضية"كوسوفو".
وهناك استراتيجية كسب الوقت والتهدئة من خلال تطويق الأسباب والدوافع التي أدت إليها دون اللجوء إلى تفجير الأزمة والسماح لها بالوصول إلى مرحلة الصراع المسلح بين الأطراف المعنية .
وتبرز أهمية الوساطة في ذلك من خلال الجمع بين أطراف الأزمة للاتفاق على صيغة تمهد لتحقيق تسوية عادلة أو إيجاد حل وسط بالطرق السلمية.
إن الاستراتيجية الهجومية الأمريكية على سوريا خارجة عن حدود المنطق والأخلاق ،عدا عن أنها تتجاوز القوانين الدولية ومؤسسات المنظومة الدولية كمجلس الأمن والجمعية العمومية.
أما الذرائع التي تتمسك بها أمريكا المتعلقة باستخدام سوريا للسلاح الكيمياوي فلا تتعدى الكذب المفضوح .
إن ضرب سوريا بالصواريخ الفتاكة والطيران الحربي وغيرها من الأسلحة الحديثة ،سيؤدي إلى قتل آلاف المواطنين السوريين ،عدا عن الدمار الهائل الذي سيصيب مدن وقرى سوريا،وهذا الأمر يكشف عدوانية أمريكا ووحشيتها التي تستهدف شعب سوريا وجيشها .
لاينسى العالم الجرائم التي ارتكبتها أمريكا بحق الشعوب بدءاًمن فيتنام مروراً بيوغوسلافيا ،وأفغانستان والعراق والحبل على الجرّار .فمن يحاسب أمريكا على هذه الجرائم ،ومن يقف بوجهها للجمها عن عدوانها الذي تحضر للقيام به على سوريا ؟لأن هذا العدوان لايخدم في المنطقة إلا اسرائيل.
إن الشعب العربي في سوريا الملتحم بجيشه لن يقف مكتوف الأيدي ،بل وليس عنده إلا ممارسة استراتيجية الدفاعية المتمثلة في القتال والدفاع عن الدولة بكل الامكانات المتاحة .
وإذا كان الهدف الأمريكي من الضربة المزعومة يستهدف الحفاظ على التوازنات ، أو خلط الأوراق ،وتحسين شروط التفاوض أميركياً، قبل الذهاب إلى جنيف ؟،فإن هذا لا يستدعي بالضرورة القيام بتحشيد البوارج والمدمرات والغواصات والطائرات المقاتلة حول سوريا ،لأن الطريق الأسهل الذي يوفر الكثير من المعاناة والدمار لشعوب المنطقة واضح،وهو الحوار والجلوس جميعاً على طاولة واحدة للتفاهم على خارطة طريق تؤدي إلى الحل السياسي الذي يحفظ وحدة أرض وشعب سوريا ،ويحقق العدالة لمكوناته وفق رؤية جامعة واحدة.
أما أن يحاول الأمريكيون الحصول بالتهويل والاعلام المضلل على ما عجزوا الحصول عليه سابقاً،فإننا نقول إن من السهولة أن تطلق الطلقة الأولى ،ولكن من الصعوبة جداً أن تعرف كيف توقف ما يتبعها من طلقات.
ولا يقاس الأمر بالقوة الضخمة التي تمتلكها دول العدوان قياساً على ما تمتلكه سوريا من قوة متواضعة قياساً عليها ،بل بالإرادة والإيمان والاستعداد للتضحية والتحمل والصبر،ولن تكون نتيجة هذا العدوان إلا الفشل حيث ستجني أمريكا نتائجه بالخسائر الهائلة التي ستلحق بها وبحلفائها .
فإرادة الشعوب أقوى من العدوان وقوته. ويبقى السؤال قائماً حتى آخر لحظة تسبق العدوان:هل ستقع أمريكا في الخطأ مرة أخرى كما وقعت به من قبل في العراق ؟. وهل ستمضي في الوقوع بالمستنقع كما وقعت به من قبل؟. إن الساعات القادمة كفيلة بالاجابة على هذه الأسئلة التي ستحدد مستقبل أمريكا وحلفائها في المنطقة وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني .
وستظل البوصلة المقاومة باتجاه فلسطين مهما كانت الظروف ومهما حاول الأعداء حرفها إلى جهة أخرى!!