القوى السياسية وضرورة المراجعة
د. رحيّل غرايبة
25-08-2013 03:38 AM
وقفة المراجعة محطة ضرورية لجميع القوى السياسية بلا استثناء ، من اجل الاسهام في التقويم الجمعي لما آلت اليه الاوضاع في الدول العربية و الاسلامية ، و من اجل الاسهام في محاولة وقف الاقتتال الداخلي ووضع حد لحمام الدم الذي تغرق فيه عواصم العرب و حواضرهم الرئيسة في بغداد و دمشق و القاهرة ، وعلى طريقها صنعاء و طرابلس و بيروت و غيرها ....
الاحزاب و الجماعات و كافة القوى السياسية التي نشأت في البلاد العربية ، كانت تستند الى هدف بناء المشروع النهضوي العربي و قيادة الشعوب المقهورة نحو الحرية و الكرامة و الديموقراطية و من اجل امتلاك ادوات القوة و تحقيق حلم الوحدة ، و استعادة المجد الضائع و حماية الشعوب و أرضها و مقدراتها وحراسة حدودها و مقاومة اعدائها ، وعندما انخرطت جماهير الشباب في صفوفها كانت تحدوها هذه الامال العريقة و تسكنها هذه الاشواق الملتهبة .
كنت و ما زلت منخرطا في صفوف الحركة الاسلامية لعلمي و فهمي انها تحمل مشروع نهضة الأمة ، وليس حزبا يحمل مشروع الوصول الى السلطة ، وهناك فرق كبير و شاسع بين المشروعين ، وهناك فرق كبير و واضح بين ادوات ووسائل كل مشروع ـ بالاضافة الى الفرق في عملية التقويم و المراجعة المستندة الى جملة الاهداف و الغايات .
مشروع تحرير ارادة الشعوب و العمل على اعادة بناء الدولة العربية المدنية الحديثة ، تقتضي امتلاك القدرة على تحقيق الالتفاف الجماهيري الشامل حول هذا المشروع ، و تحقيق اقصى درجات المشاركة و التعاون بين جميع مكونات المجتمع و غالبية القوى السياسية الفاعلة ، لأن مشروع تحرير الارادة الشعبية واعادة بناء الدولة ليس مشروعا خاصا لفئة دون فئة ، وليس مسؤولية قوة سياسية دون اخرى . فهو يمثل مشروع الامة الجمعي ، الذي يعود بالمكتسبات الحقيقية و الكبيرة على جميع مواطني الدولة بلا استثناء .
عندما تتحرر ارادة الشعوب و تستطيع ايجاد الدولة الحرة المستقلة ، بمؤسساتها و ركائزها الأساسية من تشريعية و تنفيذية و قضائية و عسكرية و مالية ، و عندما تخضع الجماهير لمرجعية وطنية عليا ، وعندما يترسخ مبدأ الاختيار النزيه ، يأتي الوقت المناسب للشروع في مرحلة التنافس الحزبي ، و التنافس بين البرامج و الافكار العملية ، كما وصلت لها اغلب دول العالم المتقدم ، ومن ثم التنافس في الوصول الى السلطة .
الامر الاكثر اهمية في عملية المراجعة فيما يخص الحركات الاسلامية انها يجب ان تدرك ان الاسلام يمثل اطارا حضاريا واسعا للامة كلها بمختلف مكوناتها ، ويمثل مجموعة المبادئ و القواعد و القيم الراسخة التي تمثل الرصيد الفكري الغني و القاعدة المعيارية لاشتقاق القوانين و الانظمة التي تراعي الظرف الزماني و المكاني للتجمعات البشرية ، كما انها يجب ان تدرك ان الاسلام يشكل عامل توحيد لشتات الأمة و عامل نهضة و بناء و قوة ، ، ولا يجوز في حال من الاحوال ان يصبح عامل فرقة و تقسيم و نزاع ، بسبب خلل في الاجتهاد الذي لا يجوز ان يصل الى حدود العظمة و القداسة .
من يتصدى لحمل البرامج الاسلامية ، ومن يتصدى لقيادة المشاريع النهضوية التي تحمل الفكر الاسلامي ، ينبغي ان لا يسهم في عملية شرذمة الامة و تفريقها ، و ينبغي ان يبقى متمسكا بخطاب الوحدة القائمة على التسامح و التغافر و التراحم و عدم الاستجابة لدعوات التعصب المذهبي و الطائفي ، وينبغي ان يكون قادرا على فهم المخططات الخارجية التي تستهدف اثارة النزاعات التفريقية بين مكونات الامة ، وينبغي ان يكون قادرا على افشال الجهود التي تسعى لاستنبات بذور الفتنة في المجتمعات العربية ، والعمل على ايجاد البيئة المناسبة للاقتتال الطائفي و المذهبي و العرقي و الجهوي في اوطاننا .
من يحمل المشروع النهضوي الكبير لا يعرف لغة الاقصاء و التهميش بل يجب ان يتصف بالحكمة التي تجعله قادرا على جمع كل الطاقات و الكفاءات في المجتمع دون النظر الى اتجاهاتها الفكرية او المذهبية او السياسية .
الدستور