نحن الأردنيون ووعينا الديمقراطي
د. معن ابو نوار
24-08-2013 10:22 PM
لو سألنا نصف أو حتى غالبية عدد المواطنين في أي دولة وطنية قائمة، حتى في الديمقراطيات العريقة: ما الذي يعنيه مصطلح الديمقراطية ؟ ؛ سنصاب بصحوة فظة قاسية تنبهنا إلى حقيقة أنهم لا يعرفون إلا القليل مما يعنيه ذلك المصطلح الحيوي. وعندما نتذكر أن لكل مواطن منهم الحق في استخدام صوته لانتخاب من ينوب عنه، وأن نسبة كبيرة جدا لا يستخدمون ذلك الحق الذي ليس لديهم أهم أو أثمن منه، تختلط أوراق قيم الديمقراطية في التمثيل الحقيقي للشعب.
ولو سألنا عددا كبير من المواطنين الأمريكيين الذين يحضرون مؤتمرات الحزبين الديمقراطي والجمهوري: لماذا يصفقون ويهتفون ويصيحون بكل ذلك الحماس لهذه الجملة أو تلك من خطابات زعمائهم ؛ وأهم من ذلك ما الذي يستفيدون مما ستحققه معاني تلك الجملة من فوائد ومنجزات لهم ولوطنهم ؟؛ سنصاب بصحوة أشد فظاظة وقسوة. ذلك لأن غالبيتهم يصفقون لعدسات التلفزيون، وبروح القبلية الحزبية، وبهدف استقطاب الأنصار من المشاهدين ؛ وهم يصفقون لأن الموسيقى الحماسية تشجعهم على التصفيق ؛ وهم يصفقون ويصيحون لأن قادة المشجعين، الذين لا تسلط عليهم عدسات التلفزيون، يؤشرون لهم أن يصفقوا وأن يوقفوا التصفيق.
بعد أن يعطي المواطن الناخب صوته للمرشح الذي يختاره لينوب عنه لمدة أربع سنوات في جميع شؤون حياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والدفاعية، لا يحق له استرجاع صوته أو حجبه عن نائبه خلال الأربع سنوات حتى بوسيلة سلمية ، إلا بعد مضي تلك السنوات وقيام الانتخابات الجديدة. وهو عندما يكتشف أنه أخطأ في اختياره لنائبه لا يستطيع تصليح خطأه طوال تلك المدة التي تتخذ فيها جميع القرارات التي تهمه وتهم وطنه ، والتي ربما تصيبه وتصيب وطنه بأضرار لا يطيقها. هذا هو السبب الأهم من أي سبب آخر الذي يحض القادة والمفكرين ووسائل الإعلام خاصة الصحافة على توعية المواطنين وتثقيفهم ثقافة ديمقراطية منذ الطفولة ، وخلال الحياة المدرسية والجامعية ، وفي ميادين العمل المختلفة ، ليقدروا على المشاركة في أهم قرار ديمقراطي، وهو انتخاب مجلس النواب الذي يحكمهم نيابة عنهم، وبهدف رعاية مصالحهم ومصالح وطنهم، ودفع مسيرة الديمقراطية إلى قيام دولة الدستور والقانون.
تصاب الدولة الديمقراطية ، أي دولة ديمقراطية حتى العريقة بينها ، بأشد الأمراض فتكا بها ، إذا لم تحظ بأكبر وأوسع مشاركة شعبية بفعالياتها السياسية، سواء في استخدام حق التصويت في الانتخابات العامة ، أو البلدية ، أو انتخابات مؤسسات المجتمع المدني كالنقابات والأحزاب والجمعيات ؛ أو المساهمة بنشاطاتها المحلية أو الوطنية. ففي غياب تلك المشاركة على أوسع نطاق شعبي ممكن ، فرصة كبيرة لنمو نفوذ الطلائع الاقتصادية والسياسية والثقافية في اتخاذ القرارات السياسية لصالحها ، وأحيانا بعيدا عن حاجات الإرادة الوطنية العامة أو غالبية الشعب الذي تحكمه باسمه. حتى ضمن أعضاء الحزب ، إذا غابت مشاركة غالبية أعضائه وقواعده، بموجب القيم الديمقراطية الصحيحة ، تقع إرادة الحزب العامة فريسة سهلة لمصالح قادته أو الطليعيين فيه؛أولعدم الاكتراث والانتباه لحاجات ورغبات وآراء أعضاء الحزب فينهار.
ليس كل ذلك وحسب؛ حيث أن إحجام الخبراء والمختصين والقادرين والمؤهلين من النخبة الوطنية وطلائعها عن الإقبال على ترشيح أنفسهم لخوض الانتخابات العامة أو أي انتخابات أخرى ؛ يعرض الديمقراطية وقيمها إلى حالة فقر قيادي مجهظة لعملية اختيار وانتخاب الأفضل ، والأجدر، والأقدر بالقيام بمهمة النيابة عن الشعب ومؤسساته المدنية. ومع شح أعداد البدلاء الحديثين للنواب والممثلين التقليدين الذين أدمنوا على الفوز دون مبرر حقيقي في خدمة الشعب ومصالحه، تعيش الديمقراطية في عجز كسيح ، وتبقى مكتوبة حبرا على ورق لا تقوى على التخلص عجزها إلا بالتغيير السلمي نحو الأفضل.
من المؤكد دون ظن ، أنه خير للديمقراطية ومصالح قيمها النبيلة ، وخير لكل مواطن ومصالحه ، والمصالح الوطنية العليا ، أن تنمو المشاركة السياسية وتتسع سواء في ترشيح النواب أو انتخابهم لمجلس النواب؛ أو ترشيح القادة أو انتخابهم لقيادة المؤسسات المدنية، خاصة للنقابات المهنية والأحزاب السياسية. فليس عدلا ولا مفيدا على سبيل المثال لا الحصر أن تنتخب نقابة مؤلفة من خمسة وخمسين ألف عضو مجلسها من قبل ما لا يزيد عن خمسة آلاف عضو، في غياب خمسين ألف عضو. أما انعدام أوسع مشاركة ، ومن بعد انعدام التغيير في النواب والممثلين، فقد يؤدي تكرار واستمرار الحال على عدم تطوره وتجدده وتحديثه أو تنشيط جذوته وهمته إلى ديكتاتورية التكرار التي تبقي القديم على قدمه وشيخوخته. فكرة تغيير النائب أو الممثل الذي لا يقدم جديدا مفيدا في مجلس النواب أو المؤسسة المدنية ، خاصة في الأحزاب والنقابات المهنية ، تجعله قبل غيره يفكر ويكافح من أجل التجدد والحداثة والتقدم ليحظى بثقة ناخبيه. أما من يعتقد أن انتخابه مضمون ، مهما كان شأنه، فيقعده ذلك عن التفكير حتى بمن انتخبوه ويفشل.