هَذِهِ الخَواطِرْ كَلِمَاتُهَا بَسيطَة و لَكِنْ عَنَتْ لي الكَثيرْ و أنا أَكْتُبُهَا، فَكُنْتُ جَالِسْ في شُرْفَةْ مَنْزلي أَكْتُبْ كالمُعْتَاد، و كانوا جُلَسَائي الذين تَعَودوا رِفْقَتي في كُلْ ليلى حاضرين مِنْ حَوْلي بِكُلْ اناقَتِهِمْ يَشْحَنوا حواسي و ذِهْني بِكُلْ شُعورْ لَطيفْ و كَلِمَة راقِيَة، فَكَانَتْ السَمَاء مُرَصًعَة بِسَاكِنَاتِهَا الوَضَاءَة فوقي و كُنْتُ أَسْمَعْ مِنْ وَقْت لآخر حَفيفْ وَرَقِ الأَشْجَار مِنْ حَوْلي مِنْ نَسيمْ الصَيْف الدافئ و الرَقيقْ الذي كان يُداعِبَهَا، و كان أيْضاً بِرِفْقَتي صديقي المَشْهورْ الذي لا يُفَارِقَني، لَوْنُه أَسْوَد و طَعْمُه لذيذ يُنْعِشْ النَفْس بِرَأِحَتِهِ مِنْ أَوًلْ رَشْفَة.
و لَكِنْ هَذِهِ الليلة كانَتْ مُمَيًزَة إذْ قَرًرْتُ انْ اتْرُكَ مِصْر مَعْ احداثها السَاخِنَة و أُمْعِنْ النَظَرْ بِقَضِيَة تُراوِدْ أَفْكَاري مُنْذُ فَتْرَة، فَرُبَمَا تكون مَرْبَطُ الفَرَسْ لِكَثيرْ مِنْ القَضَايا السَاخِنَة التي تَطْفو على الحَيَاةْ السِيَاسِيَة الاردنية بِهَذِهِ الايام، إبْتَداء الأَمْر بِكَلِمَةْ دَوْلَةْ رئيس الوزراء عبدالله النسور عِنْدَمَا كان تَحْتَ ضَغْط الراي العام و صُحُفِنَا بالنِسْبَة الى دَعْم المَحْروقَات و إرْتِفَاع أَسْعَار الوقود...كان ضَيْف بَرْنَامِجْ سياسي على التِلْفزيونْ الأردني و كان الإعْلامي الذي يَسْتَضيفُهْ يَسْأَلُه عَنْ السَبَبْ في عَجْز الميزانية، فَقَال حينَها أنً بَعْض مِنْ رُؤَسَاء الوزراء السَابِقينْ حينَمَا كانوا في مَراكِزِهِمْ قرروا تَرْحيلْ القَضِيَة الى الذي سَيَتَوَلَى هذا المَنْصِبْ مِنْ بَعْدِهِمْ...فَعَلِقَتْ هَذِهِ الكَلِمَة بِذِهْني...التَرْحيلْ،
لا أَتَهِمْ أَحَدْ بِهَذا التَقْصيْر بَتَاتاً...لا دَوْلَةْ رَئيسْ الوُزَراء الحَالي و لا أَكْبَرْ سِيَاسي او اداري بالدَوْلَة، لِأَنً التَرْحيلْ بالنِسْبَة إليْ يَعْني الغُرْبَة عَنْ مَمْلَكَتُنَا الحَبيبَة، الغُرْبَة عَنْ شَأْنَهَا السِيَاسِي الداخلي و الإداري، أَسْأَل كُلْ رَئيسْ وُزَرَاء إسْتَلَمَ هذا المَنْصِبْ بَعْدَ أَنْ إعْتَلى العَرْش مَوْلاي صَاحِبْ الجَلالَة المَلِكْ عَبْدُاللهِ الثاني المُعَظَمْ حَفِظَهُ الله و أدام عِزَهُ و مُلْكُهْ على بلادنا و في قُلوبِنَا، لماذا أنْتُمْ كَرُؤَسَاء وُزَرَاء في غُرْبَة عَنْ شَأْنَ بِلادِنَا؟ أَيْنَ سَافَرْتُمْ و تَرَكْتُمونا نَحْنُ و بِلادُنَا؟ أُرْدُنَنَا نَزَفَ كَثيراً و أَنْتُمْ مَوْجودين بالجَسَدْ أما وُجدانَكُمْ فَكَان كالطَيْف المُسَافِرْ في جَلَدِ الرَحْمَن بعيداً عنا؟ و لَكِنْ أَيْضاً أَظُنُ أنً الذَنْبَ لَيْسَ ذَنْبَكُم، فالمُجْتَمَعْ سَيَمْثُل بِقَفَصِ الإتِهَام بهذا الخصوص،
هُنَالِكَ كَلِمَة تَتَرَدًدْ كَثيراً بِمُجْتَمَعِنَا، بالحَقيقَة أَسْمَعُهَا كَثيراً و مُنْذُ نُعومَةِ اضْفَاري، فَمَا أَنْ يَكْبُر أَحَدُ ابْنَائِنَا في مُجْتَمَعِنَا الأُرْدُني إلًا و تُقَال لَهُ، و أَذْكُر بَعْض مِنْهَا على سَبيلْ المِثَال لا الحَصْر..."إذْهَبْ الى السَفَارَة الأَمْريكِيَة و قَدِمْ طَلَبْ الفيزا"..."ماذا بِهَا بلادُنَا سِوَى الفَقْر و الرواتب المُتَدَنِيَة"...الراتِبْ؟ لا يَكْفي لأيجَار البَيْت و فواتير المَاء و الكَهْرُبَاء"...في الخَارِجْ سَتَعْمَل و تَكِدْ و تَحْصُل على الراتب المُجْزي و سَتَعودْ إمْبَراطورْ الى بِلادِكْ"، و حتى عِنْدَ طَبَقَاتْ الأَغْنِيَاء الذين يَحْرِصونْ على حِسَابَاتِهِمْ الدَسِمَة يَضَعوا جُزْءاً يَسيرْ مِنْهَا في الخَارِجْ بِحُجَةْ أنً اسْتِقرار البُنوكْ في الخارج اكْثَرْ مِنْ الدُوَل العَرَبِيَة و الأردن، و يُرَدِدوا نَفْس العِبَارات أنً فُرَصْ الإسْتِثْمَار ضَيِقَة الأُفُقْ في الاردن و واسِعَة المُعَالِمْ في امريكا و اوروبا بِصُورَة عَامَة...هَلْ نَقِفْ و نَتَأَمًلْ هَذِهِ الكَلِمَات ماذا تَفْعَلْ بِأَوْلادِنَا و كَيْفَ تُؤَثِرْ على وَلائِهِمْ لِبِلادِنَا؟ هَذِهِ العِبَارات التي ذَكَرْتُهَا تُقَال بِحُسْن نِيَة و لَكِنْ لها رَدْ فِعْل عَكْسي فَتَبُثْ السَلْبِيَة بِروحْ المُواطَنَة عِنْدَ ابْنَأنَا لِيَكْبروا و هُمْ غَيْر آمِلينْ بِتَحْقيق شيئ في أُرْدُنِنَا الحَبيبْ...بَلْ يُصْبِحْ شُغْلُهُمْ الشَاغِلْ الفيزا و كَيْفَ الحُصولْ عَليها و يُصْبِحْ شُغْل الثَري طُرُقْ الإسْتِثْمَار في الخارج...لِيَبْقى قُلوبْ الكَثيرينْ يَخْفِقْ بِكُل شيئ إلا الحُبْ لِبِلادِنَا،
رُبَمَا سَيُعِدْ الكَثيرينْ أَنً هَذِهِ جُرْئَه مني...و لَكِنْ أَسْأَلْ سُؤَالْ مُهِمْ هُنَا، إذا وَصَلَ أَحَدْ هؤلاء الأَفْراد و اسْتَلَمَ مُديْر بِوِزَارَةْ مُعَيًنَة و هُوَ تَرَبى في بَيْت يُرَدِدْ هَذِهِ العِبَارات و هي كَمَا أَسْلَفْت شَائِعَة كَثيراً بِمُجْتَمَعِنَا...هل سَيَخْفِقْ قَلْبَهُ بِحُبْ الوطن كما يَجِبْ؟ هَلْ سَتَتَحَرًكْ وَطَنِيَتَهُ و يَخْدِمْ بِلادَهُ كَمَا يَجِبْ؟ هَلْ سَيَغْلي حُبْ الأردن بِعُروقِهِ و هَلْ سَيَخَافْ على بِلادِهِ و مَصْلَحَةْ الدائِرَة التي يَعْمَلْ بها؟ هل نَتَوَقًفْ و نَتَأَمًلْ بِهَذِا الأَمْر و بِمَاذا نَبْني ثَقَافَةْ أبْنَأِنَا؟
أَسْتَذْكِر هُنَا حَادِثَة جَعَلَتْ الدِمَاء بِشَراييني تَغْلي قَهْراً على ما أراهُ و أَسْمَعَهُ و أَقْرَأَهُ في صُحُفِنَا، و أنا أُتابِعْ الشَأْن المِصْري و بِحَسَبِ ما نَقَلَتْ الفَضَائِيَات في مِصْر عَنْ الإِعْتِداءَاتْ على المَدَنيينْ و مُنْشَآتْ الدَوْلَة مِنْ قِبَلْ الجَمَاعَات الموالِيَة للإخوان...وَقَفَتْ إعْلامِيَة بِجُرْأَة أَلْف رَجُل و بِشَخْصِيَة لَمْ اراها مِنْ قَبْل و صَرَخَتْ على الشَاشَة مُسْتَغْرِبَة مِنْ غِيَابْ الكَثيرْ مِنْ جَبْهَةْ الإِنْقَاذْ المِصْرِيَة عَنْ المُعْتَرَكْ السِيَاسي، و هَتَفَتْ بِأَعْلى صَوْتِهَا ارائَهَا بِأَنًهُمْ مُخْطِؤنْ و يَجِبْ عَليهِمْ التَحَرُكْ لِنَقْل صَورَةْ ما يجري على أَرْض الواقِعْ الى الرأي العَام بالغَرْب، تَأَمًلْتُ هَذِهِ الإمْرَأَة و حُبِهَا لِمِصْر و قَهْرِهَا على بِلادِهَا التي كَادَتْ أنْ تَنْهَار امامَهَا، و قُلْتُ بِذاتي أَلَعَلً دَفَعَ لها التلفزيون الذي تَعْمَلْ بِهِ النُقودْ لِتوقِظَ ضَميرْ هَؤُلاءْ المَسْؤلين السياسين؟ بالعَكْس إنها لَحْظَةْ غُلوٍ حَقيقِيَة على بلادها عاشَتْهَا في بَثْ حي و مُبَاشَرْ أَمَام الملايين مِنْ المواطِنينْ العَرَبْ فَوَبًخَتْ ضَميرَ قِيَاديين لَدَيْهِمْ عِلاقاتْ يَسْتَطيعوا بها ان يُنْصِفوا بِلادَهُم مِنْ هُجومْ الإعلام عليها.
فَهَلْ فِعْلاً نُحِبْ الأردن مِنْ قَلْبَنَا و عَقْلَنَا و وُجدانِنَا؟ هَلْ نُرَبي أَوْلادَنَا على حُبْ الوَطَنْ؟ هَلْ نُرَبي أَوْلادَنَا و نُوَجِهَهُمْ على البَحْث عَنْ فُرَصْ مِنْ دون ان تكون وَطَنِيَتِهِمْ كَبْشَ الفداء؟ هَلْ نُحِبْ الاردن بِكُل عَقْلَنَا و قُدْرَتَنَا مِثْلَمَا أَحَبًتْ هَذِهِ الإعْلامِيَة مِصْر؟ الأردن بَيْتَنَا...هَوِيَتَنَا...كَرامَتَهُ مِنْ كَرامَتِنَا...حُكْمَهُ الهَاشِمي تَاجْ على رُؤُسِنَا و وِسَام فَخْر على صُدورِنَا...و أُكَرِرْ أًنني لا أَتًهِمْ أَحَدْ بِشَيْئ...بَلْ أَسْعَى لِكَيْ يُراجِعْ كُلْ مِنَا ذاتَهُ أَيْنَ يُقَصِرْ بِحُبِهِ لِهَذا الوَطَنْ...مِنْ سِيَاسيين و رُؤَسَاءْ الوُزَراء و الوُزَراء...مِنْ مُدَراءْ و مُرَبيين صَفْ...مِنْ أَسَاتِذَة كُلِيَات و جَامِعَات...مِنْ صَحَفيينْ و رُؤَسَاء تَحْرير...مِنْ رُؤَسَاء بَلَدِيَات و عُمَالْ تُنَظِفْ شوارع هذا البَلَدْ العَريقْ...هَلْ نُحِبْ الأردن مِنْ قُلوبِنَا، المَطْلوب وَقْفَةْ ضَميرْ بَيْنَنَا و بَيْنَ أَنْفُسِنَا، فإذا جاوب أَحَدَهُمْ لا...فَأَتَوَسًلْ إلَيْه وأَقولْ إبْحَثْ عَنْ قُوتِكَ خارج هذا الوطن و أُتْرُكْهُ لنا، فَبِحُبِنَا سَنَبْنيهْ و بِدِمَاءِنَا سَنُغَذي تُرابَهُ و بِرُموشْ عُيُونِنَا سَنُحَافِظْ عليه و صَدْرَنَا دِرْع مَتينْ نَتَلَقَى بِهِ الرَصَاصْ عَنْهُ...هذا غَلاوَةْ اردن الهَاشِمييْن عِنْدَنَا فَاتْرُكوا لَنَا الوَطَنْ و غَادِرونَا بِسَلام،