في زمن الردة عن التاريخ والبطولة والرجولة ، وفي وقت تاه الفرسان فيه ورفضت الخيول الأصيلة أن يمتطيها هؤلاء ، نعيش الحاضر الذي يتنكر للماضي ،ويبرز الجيل الذي يعتقد أن التاريخ يبدأ به ونرسم ملامح مستقل جديد نستدرج عروض الأسى والدم والقتل له ،ونبرع في فن المناكفة ونعتز بانتماءاتنا للخارج مع إهمال الوطن الداخل ، ونحيي من يحمل سلاحا ليقاتل من اجل هؤلاء اؤلئك وهو العاجز عن حمل قلم أو معول لبناء وطنه ، وان فكر في المعول والقلم فيستخدمهما للهدم والتشكيك.
هذه صورة من واقع الحال أسوقها ونحن ننظر إلى معنى القيمة والمواطنة ، ومعنى أن تكون أردنيا في وطن أردني يعيش في محيط ملتهب ، ومعنى الاعتزاز بصورة المجتمع الاردني ككل بلا استثناءات أو إقليميات أو عصبيات
عشنا على مدى أكثر من رمضان سابق ولسنوات مع مسلسل باب الحارة وأبدع منتجوه في رسم الشخصية الوطنية السورية وشرح قيم المجتمع وخصائصه، وتعلق الاردنيون ومثلهم الكثير بحلقات المسلسل وأصبح حديث مكاتب الموظفين والموظفات وركاب التكسي والباصات، والمعلمين والمعلمات والطلاب والطالبات والمتزوجات والمطلقات والعاشقين والعاشقات ، مع متابعة أدق تفاصيل الأخبار عن نجوم المسلسل.
لا ضير في الأمر ونحن مع كل نجاح فني ، ولكن مع مراجعة الذات مع ذكر الأبواب في التاريخ فهناك باب زويلة في مصر الذي اعدم المماليكُ عنده وفدَ هولاكو الذي حمل رسالة التتر التي تطلب أن تستسلم القاهرة وإلا حل بها ما حل ببغداد عام 1258م ، وزويلة هو اسم رئيس وفد التتر الذي حمل رسالة التهديد ،وقد تأرجح جسده ميتا على الباب فحمل اسمه، وهناك باب التروس وهو احد أبواب مدينة حلب التي ما أن تدخل منه حتى يواجهك مسجد التروس القديم الذي بني في المكان الذي صلى فيه أبو عبيدة عامر الجراح مع جنده بعد أن دخل حلب فاتحا من باب أنطاكيا وقد أحاطوا مكان صلاتهم بالتروس التي يحملونها مع السهام والسيوف فبُنيَ في المكان مسجد حمل اسم مسجد التروس ولا زال قائما ، وعندنا في الأردن باب الواد وهو قصة من التاريخ الحديث وملحمة بطولة نسجها الجنود الاردنيون عام 1948م وقاتلوا بصمود أسطوري على مدى شهر يحمون المسجد الأقصى والقدس وكل أبواب أسوار القدس من باب يافا والعمود والجديد والساهرة والأسباط التي تعمدت جميعها بدماء الشهداء الأردنيين الذين اعتمروا الكوفية الحمراء واشتهروا بشواربهم التي اعتلاها غبار المعارك لا تلك المبرومة التي حملت صفات الغدر والبلطجة والشهوة ، رجال باب الواد صنعوا تاريخا من المجد والبطولة والتضحية ،ولكن لم يحظ باب الواد بحلقة واحدة عنه بمستوى دراما باب الحارة التي دامت لأكثر من 150 ساعة تلفزيونية كلفت الملايين لإلهاء الناس عن تاريخهم وقيمهم ، بل نعجز حتى في إقناع الإعلام الرسمي عن إنتاج حلقة عن رحلة تأسيس الدولة الاردنية مثلا ، ويناقشوك بالدنانير لا بالقيمة والتاريخ والرسالة في وقت الإنفاق على سموم نبثها نحن بين ظهرانينا ، ولا ننسى إنفاق الملايين على عمل أو أكثر لم تترك أي اثر في المجتمع الاردني طالما أن الهدف هو الربح وليس الرسالة والمعنى وطالما أن من قام وعمل وأنتج ليس من أهل باب الواد والكرامة وتشرين، وطالما لا زلنا نخجل من دراما وأفلام أردنية وطنية تتناول تاريخنا ولا نفعل ذلك إلا بحشو قصص أخرى وحكايا حتى لا نتهم بالإقليمية والعنصرية وغير ذلك.
من باب الواد إلى باب الحارة رسالة أو ملخص لبرقية تقول : نعم نحن في زمن اغتيال تاريخ الحق والشهامة وفي زمن التلظي والشرذمة طالما أن شارب باب الحارة هو الأطهر والاثمن حاليا من شوارب الشهادة والرجولة.
وبرقية أخرى أن من يستطيع أن يكتب التاريخ الحقيقي لباب الواد ورحلة التأسيس من عمان إلى عمان عام 1921 وتاريخ الكرامة عام 1968 وبطولات الجيش الاردني في حرب تشرين 73 وغيرها هم أهل البلاد ورجال هذه التضحيات ومن قرأ عنهم ودرس الأرض، ومن هم من رحم هذا الوطن وبلا أية مزايدات أو خجل او تردد ، فنحن صاحب سجِّل ناصع لا نقبل أن نقدمه من خلال روايات أخرى لا علاقة لنا بها وتعمد تحميلها على تاريخنا النقي الطاهر والصادق ،
المقال لم ينته بعد ... ولكن اترك لذكائكم وبصيرتكم وتحليلكم إكمال القصة.
bmajali@rhc.jo