ما كان ينقص أبناء مصر الغارقين حتى آذان أطفالهم بويلات الفقر وفساد الطبقة الحاكمة إلا أن يقتلوا كالطرائد، فما حان لهم أن يتنفسوا فرحا بتحقيق جزء من حلمهم في محاكمة تاريخ طويل من الفساد القديم الذي أهلك الحرث والنسل لذلك الشعب البسيط الطيب، حتى انتفض شيطان الحكم الديكتاتوري الذي يأبى إلا أن ينتصر للشر، فتراق على أرصفة الجوع والحاجة والقهر اليومي دماء بريئة لا ذنب لها سوى أنهم قاوموا سلطة الانقلاب على صناديق الاقتراع.
ثم يخرج رئيس وزراء الحكم المصري الجديد الببلاوي بيه ليقول إنه لا صلح مع من يقتل المواطنين!! أربع علامات تعجب مني ومثلها من عندكم، فمن قتل المواطنين؟ المعتصمون في رابعة لم يقتلوا أحدا حتى يوم الهجوم عليهم، والمحتمون ببيت الله في مسجد الفتح كانوا يظنون أن حرمة المسجد ستحرم دماءهم على العسكر الذين لم يذكرونا بأي معركة مع العدو الإسرائيلي أو غيره انتصروا، ورفعوا راية الحق، ومع هذا سفكت الدماء وأزهقت الأرواح وقتلوا تقتيلا، لأن الشيطان الأكبر المختبئ في عتمة السياسة العليا بمصر أمر بإنهاء وجود الشرعية الإسلامية في الشارع المصري.
الدين الإسلامي ليس تجارة ولا يدر ملايين ومليارات لجيوب المصلين والعابدين والمخلصين لأوطانهم، في الإسلام الحقيقي لا يمكن أن يتحول المسجد إلى كازينو، ولا يقارن شارع الهرم بالمسجد الأزهر، ومع هذا فإن أخطأ الإخوان وعلى رأسهم الرئيس المخدوع محمد مرسي، فإن هذا لا يعطي المبرر لعسكر النظام العميق بقتل الناس في الشوارع دون ذنب اقترفوه، ولا جريمة ارتكبوها، فيما لا يزال المجرمون واللصوص والبلطجية وتجار المخدرات والرقيق الأبيض يعيثون فسادا في أزقة وشوارع وشقق وفلل القاهرة ومدنها الرئيسية، طلقاء لا يمسهم رصاص الأبطال المزيفين، بل إنهم يتمتعون بالحماية والرعاية لأنهم يغذون ماكينة الفساد هناك.
ليذكرنا بطل معركة 30 يونيو الجنرال السيسي أي حرب خاضها، وأي معركة انتصر فيها، وأي راية مصرية نصبها فوق أرض محتلة بعد تحريرها، فهل سيكتب التاريخ له صفحة في سجل البطولات إذ شن حربا لا هوادة فيها ضد أبناء شعب مصر، هذا على اعتبار أن أولئك القتلى هم من أبناء مصر في نظره ونظر طاقمه الحاكم، أم أن معارك رابعة والنهضة ومسجد الفتح سيكون صفحة سوداء في تاريخ مصر وفي ملحق السجلات المخزية لنظام العسكر الذي حكم بالبسطار والهراوة والبندقية والسجن الحربي وطرة وأبو زعبل، شعبا مصريا عريقا طيبا مؤمنا على مدى ستة عقود مضت من عمر أم الدنيا، التي بات أهلها يسبون الدنيا التي جاءت لهم بتلك الزمر العصابية المحمية بمواد الدستور الذي تحولت أوراقه إلى لفائف لسندويتشات الطعمية.
خمسة آلاف صورة وصلتني في ملف واحد، ترصد الكارثة التي حلت برابعة والنهضة والفتح، ولا يمكن الاطلاع على ربع الصور، ولكن ما يخطر على البال، إذا كانت الكاميرا ترصد وتوثق تلك الجرائم البشعة، أفلا يعلم أولئك النفر أن عين الله لا تنام، وأن كل قطرة دم سالت من جريح أو قتيل ستطاردهم لعنتها إلى يوم الحساب العظيم، حيث سيتزعم فرعون الأول فريق المجرمين الذين سيعرضون على النار ليتذكروا كيف كانوا يستهزئون، وبالبشر ينكلون، وبعهد الله ينكثون، وبأمانة المسؤولية والحكم يفرطون.
سؤال لا يحتاج إجابة من عاجز لئيم: هل يستطيع أي بطل من أبطال القادة الجدد في قاهرة المعز أن يتدخل في عمق أرض سيناء العربية المصرية، وينفذ غارات جوية ومدفعية ضد أي من السكان أو المجرمين أو الإرهابيين دون أن يستأذن بأخذ قرار من الحكومة الإسرائيلية، كما تدخل صبيحة يوم سيبقى لعنة على قادة العصابة الآثمة، أو حينما اقتحم مسجدا يرفع فيه اسم الله ويعبد فيه دون خوف ولا وجل؟!
ليس دفاعا عن الإخوان المسلمين الذين لا أعتقد أنهم يمثلون الغالبية من بين من خرج رافضا للانقلاب العسكري، ولكن دفاعا عن الشرف العسكري، وأمانة المسؤولية المناطة بكل مسؤول رسمي صغيرا كان أو كبيرا من بين آلاف المسؤولين العرب، ودفاعا عن حق الشعوب العربية التي عانت ويلات الحكم والحكومات على مدى عشرات السنين، ودفاعا عن الحق وحق المسلمين في اختيار شريعة الله على الأرض التي باركها الله، وبعث أنبياءه فيها، ندعو إلى حلّ هذه الجيوش التي امتهنت قتل أبناء شعوبنا من مصر اليوم إلى سوريا فالعراق ولا ندري من الضحية القادمة غدا، فالتمويل من مال الشعب، والسلاح من أعداء الأمة، ويبقى المواطن العربي هدفا سهلا للتمارين والمناورات العسكرية بالذخيرة الحية لجيش بلده الذي من المفروض أن يحميه.