في مقالة الأسبوع الماضي كتبنا في موضوع تفسير المحكمة الدستورية لرفض البرلمان للقانون المؤقت، وكانت اللغة المستخدمة هي لغة الاختصاص، التي تشبه لغة الرياضيات الجافة، مما حدى ببعض القرّاء –ومنهم من المختصين- إلى المهاتفة لاستيضاح بعض النقاط.
وفي هذا اليوم نشرح ما جاء في المقالة السابقة، بلغة مبسَّطة قدر الإمكان –وبإيجاز شديد- آملين أن تصل الفكرة إلى القارئ غير المختص. ولكن قبل البدء بالشرح، لا بدَّ أن نبسط مسألة قانونية، نقدّر أن القارئ يدركها سلفاً، غير أن بسطها يزيد الشرح وضوحاً.
نقول إن القواعد القانونية تشكل –في القوة- جسماً كالهرم، وهي كالتالي:
أولاً: تقع في القمة القواعد الدستورية التي تصدرها السلطة التشريعية –البرلمان والملك- وباتباع شروط أصعب من الشروط المطلوبة بإصدار القواعد العادية. وهناك اختلاف جوهري يتلخص بأن الدستور قد منح الملك سلطة مطلقة بالمصادقة أو عدم المصادقة على إصدار أو تعديل القواعد الدستورية.
ثانياً: تلي القواعد الدستورية في القوة، القواعد القانونية العادية. وهي التي تصدرها السلطة التشريعية –البرلمان والملك- وهناك قناة وحيدة، وبتوافر شروط معينة، يمكن لهذا النوع من القواعد أن يصدر دون مصادقة الملك (المادة 4 / 93 من الدستور).
ثالثاً: تلي القواعد العادية في القوة، الأنظمة واللوائح والمراسيم، وهذا النوع من التشريع، تصدره السلطة التنفيذية –مجلس الوزراء والملك- وذلك لتسهيل تطبيق القوانين العادية.
بقي هناك قواعد تشريعية، تسمى القوانين المؤقتة. وهذه التشريعات تصدرها بصورة استثنائية، وبغياب البرلمان، وبتوافر شروط معينة (المادة 94 من الدستور) تصدرها السلطة التنفيذية –مجلس الوزراء والملك- وتعتبر هذه التشريعات، أخذاً بالمعيار الشكلي أنها من قبيل الأنظمة، لأنها تصدر من قبل السلطة التنفيذية، وتعتبر من قبيل القواعد العادية، أخذاً بالمعيار الموضوعي، لأنها تعالج مسائل القوانين العادية، ولأن الدستور أعطاها قوة القانون العادي.
هذه التشريعات ونظراً للطبيعة الخاصة التي تظللها، أوجب الدستور أن تعرض على البرلمان في أول اجتماع يعقده. وللمجلس أن يُقر هذه التشريعات أو يعدلها أو يرفضها، فإذا رفضها «وجب على مجلس الوزراء بموافقة الملك، أن يعلن بطلان نفاذها فوراً». (مادة 94 من الدستور).
في ضوء ما تقدم نبدأ بشرح قصة تقاعد النواب، والتي بدأت عندما أصدرت السلطة التشريعية قانوناً عادياً، يقضي بمنح رواتب تقاعدية لأعضاء البرلمان. وهو الأمر الذي لم يُلاق استحساناً من الناخبين، وقد اعتبره الكثيرون من قبيل ابتزاز خزينة الدولة في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد. وقال بعض المختصين، إن أمريكا بعظمتها، لا تمنح راتباً تقاعدياً، إلا إذا حصل المتقاعد، على نقاط محددة، تعتمد على مدة زمنية معينة وعلى مقدار ما قدمه المتقاعد إلى صندوق التقاعد في خلال تلك المدة.
وتمشياً مع رغائب الناس، قامت السلطة التنفيذية بإصدار قانون مؤقت وأوقفت بموجبه العمل بالقانون العادي الذي يمنح الرواتب التقاعدية. وعند عرض هذا القانون المؤقت على مجلس النواب، بادر إلى رفضه، ومن ثم رفعه إلى مجلس الأعيان، الذي خالف مجلس النواب. وبنتيجة اجتماع المجلسين بجلسة مشتركة، فاز بالتصويت تيار رفض القانون المؤقت. وهذا الوضع يؤدي بالنتيجة إلى الإبقاء على القانون العادي الذي يمنح الرواتب التقاعدية، حيث يبقى ساري المفعول.
وحينما عرض القانون المؤقت على الملك للتصديق، رفض التصديق عليه، ولم يصدر إعلان بالبطلان. وهو الأمر الذي أدى إلى الإبقاء على وقف العمل بقانون التقاعد.
وكرد فعل على ما تقدم، قام مجلس النواب، بالطلب إلى المحكمة الدستورية، لتفسير المادتين الدستوريتين، اللتين تنظمان موضوعي القوانين العادية والقوانين المؤقتة. وكان يأمل النواب، أن تقوم المحكمة الدستورية، بتبنّي التفسير الذي يقضي بوجوب إصدار إعلان ببطلان القانون المؤقت المشار إليه، غير أن المحكمة الدستورية لم تفعل ذلك، كما سبق وأن بسطنا في المقالة السابقة. واستقر الوضع على وقف العمل بقانون التقاعد.
في تقديرنا أن مجلس النواب فيما ذهب إليه في موضوع التقاعد، لم يتصف بالحصافة، وشأنه شأن مسألة جوازات السفر الدبلوماسية التي يعرفها الجميع. ولكن إذا كان في ذلك خطأ، فالأجدى ألا يعالج الخطأ بخطأ. وكان يمكن معالجته بالطريقة القانونية الصحيحة. كان الأفضل تطبيق القواعد الدستورية التي تقضي بوجوب بطلان القانون المؤقت المرفوض من البرلمان –ولا ضير في ترك قانون التقاعد ساري المفعول إلى حين- ومن ثم إصدار قانون عادي ينظم مسألة التقاعد بصورة يرضى عنها الناس. وعندها يمكن تذكير مجلس النواب بأن البقاء بالجلوس على الكرسي، يرتبط –كما قال الملك- برضى الناخبين عن الأداء.
الرأي