أصابع أردوغان .. «المُربّعة»!
محمد خروب
20-08-2013 03:47 AM
نجحت التطورات الثورية التي دشنها الشعب المصري في الثلاثين من حزيران الماضي واستطراداً في الثالث من تموز الذي تلاه عندما تم اطاحة دمية مكتب الارشاد محمد مرسي وإسقاط سلطة الاخوان المسلمين في مصر بعد سنة من تَحكّمهم بمصر وشعبها العظيم، في كشف حقيقة الايديولوجيا الفاشية المحمولة على حقد دفين لكل ما هو قومي عربي التي يعتقفها الاخواني التركي رجب طيب اردوغان والذي يستدعي بالضرورة ما لعبته تركيا من دور تخريبي وتآمري ضد الامة العربية منذ برزت على الساحة الاقليمية دولة تابعة للغرب الاستعماري وانخرطت في حلف شمال الاطلسي، وكانت على الدوام حليفاً لاسرائيل بالتعاون مع ايران الشاه ولم تتوان للحظة عن «حبك» المؤامرات وتقديم التسهيلات لمن يستهدفون وقف مرحلة النهوض القومي العربي الذي مثله جمال عبدالناصر، دون ان ننسى ان تركيا هي اول دولة «مسلمة» اعترفت باسرائيل وكان عدنان مندريس الذي يتباكى عليه اردوغان ورهطه ممن يرطنون بالاسلام، هو رأس حربة في الحرب الامبريالية على مصر الناصرية.
ما أشبه الليلة بالبارحة..
لكن ما يثير الانتباه هي تلك النبرة العدائية (ولكن المرتبكة والفجة واليائسة) التي يتحدث بها اردوغان، بعد ان توالت خساراته وبات مستقبله السياسي في خطر، ناهيك عن العزلة التي بدأت تحيط بأنقرة بعد ان «عرّته» الازمة السورية وأدمته ثورة الشعب المصري على حكم المرشد، ثم وهذا هو الاهم، تدهور علاقاته مَع مَنْ كان يعتقد أنهم حلفاؤه في الموقف من الازمة السورية، على نحو لم يتردد رئيس حزب العدالة والتنمية الذي ظن أنه قادر على استعادة ارث (اقرأ استعمار) اجداده في بلاد العرب, في وصف دول الخليج العربي بأنهم «شركاء في الانقلاب المصري» بل إن مُضّي اردوغان قدماً في تبني خطاب استعلائي وعنف لفظي، يعكس حجم تورط انقرة في مخطط اخضاع المنطقة العربية لحكم سلامي برعاية غربية, يُراد من ورائه تغذية الخلافات المذهبية والطائفية وخصوصاً بين الشيعة والسنّة، لصالح الطمس على المسألة الفلسطينية وتهويد القدس, وهو الامر الذي لا يستطيع اردوغان نفيه او حتى الرطانة فيه, لأن اجندة حزبه الاخواني لا تكّن عداء لاسرائيل بقدر الحقد الذي تختزنه قلوب المتأسلمين في جماعات الاخوان المسلمين على العروبة وعلى جمال عبدالناصر, وهنا لا يمكن اعتبار اقوال اردوغان الحاقدة التي واصل تكرارها في مهرجاناته الشعبية المفتعلة ومؤتمراته الصحفية وخطاباته أمام كوادر حزبه أو البرلمان ضد العرب وعبدالناصر والفريق السيسي مفاجئة أو صادمة, اذ أنه وبعد أن شن هجوماً لاذعاً ضد الفريق السيسي يوصفه قائداً للانقلاب ضد الديمقراطية (!!) وصف الستين سنة الماضية في مصر (منذ ثورة 23 يوليو 52) بأنها سنوات «استبداد»، وانه بعد كل هذه المدة لم يستطع الاستبداديون, تحمّل فوز محمد مرسي في انتخابات ديمقراطية بنسبة 52%.
هنا يجدر بزعيم الحزب الواثق جداً بنفسه حدود الغرور والاستعلاء، أن يدقق جيداً في المصطلحات وان لا يزوّر التاريخ او يبالغ في استنتاجاته المغرضة, وكل هذا لن ينفعه حتى لو واصل رفع اصابعه الاربعة في ايحاء بما حدث في ميدان رابعة, أو بدأت حملة تسمية شوارع وميادين باسم رابعة ومرسي وربما قريباً اسم ابن محمد بديع مرشد الاخوان, الذي قتل في أحداث مسجد الفتح أو ابنة محمد البلتاجي التي قيل أنها سقطت في ميدان رابعة..
فليس رؤساء الدول وملوكه الذين وقفوا مع الشعب المصري وجيشه هم «عملاء محور الشر» على ما كتبت صحيفة «يني شفق» الموالية لاردوغان على صدر صفحتها الاولى, مستطردة ان هؤلاء «شركاء في مجازر مصر بدعمهم للانقلابيين واغداقهم المال على النظام الجديد في مصر», بل انهم في معظمهم ان لم يكن كلهم، حلفاء له في الازمة السورية, وهم الذين وفّروا له فرصة الامساك بالورقة السورية ولم يحسن التصرف بها, بل تعاطى معها برعونة وفوقية واستعلاء، ناهيك عن سذاجة في القراءة والمقاربة فضلاً عن الانانية والعنصرية.
أضف الى ذلك، أن ذاكرة العالم ما تزال تختزن الوحشية التي تعاطى بها اردوغان مع محتجّي ميدان تقسيم والتنكيل بهم، وما أظهره اردوغان ذاته من تهور وخروج على المألوف الدبلوماسي والسياسي عندما راح يهاجم (كما فيل في غرفة خزف صيني) كل الذين انتقدوا همجية قواته في ميدان تقسيم، الى ان وصل الى شتم مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك، زاعماً بانها جزء من «مؤامرة دولية» على تركيا.
هنا يقع «الرجل» الذي لم يعد يختلف اثنان على عدوانيته وارتباك وسهولة إستفزازه إذا ما وجد أن احداً يُعارض رأيه حتى داخل حزبه (فضلا عن مطاردته للصحافيين وزجهم في السجون وتجويعهم والتنكيل بهم)، في خطأ جسيم، عندما يفترض ان ذاكرة الناس قصيرة او ان الجعجعة والقاء المواعظ والشتائم يمكن ان تطمس على الحقائق السياسية او تدفع الى الخلف بالتحالفات الاستراتيجية التي ينسجها اردوغان وبلاده (الاطلسية) ورأس حربة في الاستراتيجية الكونية الاميركية وحليف صدوق لاسرائيل التي تحتل اراضي فلسطين وتهوّد القدس اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين التي لا يأتي (ولم يأت) اردوغان على ذكرها، وإذا ما وردت فلسطين على لسانه فإنها تعني حماس ولا شيء غير حماس.
يقول اردوغان: إن ما يجري في مصر وغيرها (..) مؤامرة على العالم الاسلامي، ولا ادري ما علاقة العالم الاسلامي بذلك، اللهم إلاّ اذا كانت مصر الاخوانية هي العالم الاسلامي، وان الاخوان المسلمين هم ممثلو الاسلام، وان اسلام احد لا يعتدّ به إلاّ اذا منحه الاخوان صك الاعتراف، ثم لا يلبث ان يقول: ما حدث للاخوان المسلمين في مصر، حدث في السابق لحركة حماس التي فازت في انتخابات ديمقراطية فبادروا الى حصارها بشتى الوسائل.
هنا تحضر الاسئلة الكبرى التي لا يريد اردوغان الاجابة عليها:
مَنْ حاصر حماس؟ ومَنْ هو الذي رفض الاعتراف بها؟
اليسوا هم حلفاؤك في واشنطن وتل ابيب وبروكسل؟
ثم انت وحزبك وحكومتك... ماذا فعلت اكثر من القاء الخطابات وبذل الوعود التي لا تنفذ؟
.. آمان ربي.. آمان
(الرأي)
kharroub@jpf.com.jo