يعتمد استقرار أي نظام سياسي على عوامل داخلية في الأساس، إلى جانب شبكة التحالفات الإقليمية والدولية. بالنسبة لبلد مثل الأردن، كانت العوامل الداخلية هي العنصر الحاسم في ضمان الاستقرار الداخلي، وتجاوز الأزمات الصعبة التي واجهها النظام السياسي. في أحداث السبعين من القرن المنصرم، كانت الولايات المتحدة على وشك التخلي عن النظام، غير أن صمود النظام ونجاحه في حسم المواجهة، فرض على واشنطن مراجعة موقفها في اللحظات الأخيرة.
بعد حرب الخليج الأولى العام 1991، واجه الأردن حصارا سياسيا واقتصاديا من الجانب الأميركي، وقطيعة خليجية تامة. رغم ذلك، لم يشعر النظام السياسي أن وجوده مهدد، نظرا لتماسك الجبهة الداخلية.
منذ انطلاق موجة التغيير في العالم العربي، أو ما يسمى بالربيع العربي الذي طوى لغاية الآن أربعة حكام عرب، أصبح السؤال عن قدرة كل الأنظمة القائمة على الصمود مطروحا بقوة. ومع ذلك، كان الشعور لدى الغالبية الساحقة من الأردنيين بأن الأردن، ولاعتبارات داخلية، لن يكون على قائمة التغيير الثوري؛ بينما -وهذه المفارقة- كانت تحليلات الدول الغربية الحليفة للنظام الأردني لا تستثنيه من التغيير، لا بل إن بعض المراكز الغربية وضعته على رأس القائمة.
رغم قناعة الكثيرين اليوم بأن العوامل الداخلية هي التي أهلت الأردن لتجاوز فوضى التغيير التي تشهدها دول عربية عديدة، إلا أن السياسة الرسمية تراهن بشكل أكبر على التحالفات الخارجية. وبدأت تعتمد بشكل أكبر على الدعم الخارجي، بكل أشكاله، لتأمين الاستقرار الداخلي.
على المستوى الاقتصادي، تزايد الاعتماد على القروض والمساعدات، إلى درجة بات معها المواطن الأردني على قناعة بأنه بدون القروض الخارجية ستنهار الدولة على الفور، ولن يكون بمقدور الخزينة دفع رواتب الموظفين. هذا النهج الدعائي الذي لجأت إليه الحكومات في السنتين الأخيرتين، أفقد الأردنيين الثقة بأنفسهم، وزرع القناعة لدى شرائح واسعة بأن بلدهم عاجز وضعيف، لا يقوى على الصمود بدون الدعم الخارجي؛ الأمر الذي عزز شعورا بالسلبية والدونية عند عديد المواطنين.
على المستوى السياسي أيضا، بدا الأردن في الآونة الأخيرة أقل استقلالية في مواقفه؛ تابع وليس حليفا لدول خليجية، ويساير الغرب في كل صغيرة وكبيرة، بدعوى الاحتفاظ بدوره "الوظيفي" الذي بدونه لن يحصل على القروض والمساعدات.
أيا كانت الحقيقة بشأن الدور الوظيفي، فإن السلوك الذي تنتهجه الإدارات الرسمية والدبلوماسية في هذا المجال، ينطوي على قدر كبير من الإهانة والانتقاص من الكرامة والسيادة الوطنية.
لقد انقسم الأردنيون حول وجود قوات أميركية على الأراضي الأردنية، ولو كانت محدودة العدد. المعطيات الموضوعية كانت تشير إلى حاجتنا الفعلية لخبراء عسكريين لمساعدتنا في إدارة التحديات غير المسبوقة على الجبهة الشمالية. لكن التصريحات التي أدلى بها رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، الجنرال مارتن ديمبسي، بعد زيارته لعمان الأسبوع الماضي، كانت صادمة حقا. ثقة الأردنيين بقدرة جيشهم على حماية حدود الأردن لا حدود لها، ولذلك لم يتقبل الكثيرون الحديث عن إمكانية زيادة القوات الأميركية في الأردن، أو بقائها لسنوات طويلة.
لقد واجهنا أياما عصيبة في الحروب التي شهدتها المنطقة خلال العقود الأخيرة. رغم ذلك، لم نكن بحاجة إلى قوات أجنبية لتحمينا. وكنا على الدوام نسخر من دول عربية حوّلت أراضيها إلى قواعد أجنبية، أو تلك التي تعتمد على أساطيل الولايات المتحدة لحماية شواطئها. على العكس تماما، الأردن هو من كان وما يزال يتكفل بحماية الاستقرار في دول عربية شقيقة.
الأردن بحاجة ماسة إلى دعم حلفائه. لكن ينبغي الإدراك أن الاستقرار الداخلي ومواجهة التحديات الإقليمية مهمة وطنية أردنية.
بفعل الطريقة التي ندير فيها تحالفاتنا الدولية والإقليمية، وعلى مختلف الصعد، يسود اعتقاد لدى قطاعات واسعة من المواطنين بأن استقرار النظام السياسي قائم على الدعم الخارجي. إنه أسوأ استخلاص، وينبغي العمل على تغييره بسرعة.
fahed.khitan@alghad.jo
الغد