قبل ان يغادر مستعجلا مكتب"بترا نت" الاسبوع الماضي سألت صديقي عماد القسوس عما يقلقه وكان برفقته صغيره أدهم : قال عماد : اشعر بتعب منذ البارحة " وشكلي بلشت اعد عكسي" . قلت : لا عليك يا رجل لا تاخذها جد وانتبه الى صحتك . مضى صديقي في ذهابه الابدي ، مضى عماد.
في المقبرة نظرت الى وجهه . هذا الجسد هو كل ما تبقى من عماد . هو حاصل سنواته السبع والخمسين .
في المكان ثمة نحيب مكتوم . اصوات رجال دين يرتلون وعلى منضدة في الركن كانت ثمة شمعة .
كل الاقتراب من عماد مدى سنوات كان مغلفا بضوضاء تسكنني وربما سكنته ايضا.
كل هذا الحزن جمعه عماد بينما كنت في عالم آخر .. معه..
هي لم تكن المرة الأولى التي تجعلني اُصغي اليه... اقصد الى تراتيل وداعه.
لكنها الأولى في هذا العمق ..
ولد عماد في المفرق، وعلى حد ما كان يردد : في عصر التنور والبئر وطرقات القرية الاثيرة الى النفس.
لا ادري لماذا اختار عماد ان يموت في عصر العولمة والهزيمة.
ولد عماد . عاش عماد . مات عماد. نقطة وانتهى!!
حين تركنا عماد في مدفنه سمعت رجلا يقول: كان رافضا وقريبا الى القلب، مضى دون ضوضاء، كاتما رفضه.
تذكرت ان عماد غزل حول نفسه في سنوات ما قبل الرحيل شرنقة وكتمانا من الحيطان وآذانها، خنق في دواخله كل رفض.
كان يردد على مسمعي دائما : الامتثال هو المتاح وهو الصفة المقبولة، على الرغم من عدم إيماني بهذا السجن الكئيب.
أُدرك الآن أننا كنا حالة من وئام الاختلاف أو اختلاف الوئام .