المحللون النفسيون وجدوا في كليهما مواصفات شخصية مشتركة تسمح بحرب خليجية رابعة
نفس الفخ الامريكي الذي وقع به صدام حسين
يوشك ان يُطبِق على أحمدي نجادكتب مصطفى ابو لبدة
في مقابل كل الاشارات المتسارعة عن ضربة عسكرية امريكية لايران خلال الصيف القادم, فإن هناك من يتشكك في جديّة الرغبة الامريكية بتحجيم ايران, او في قدرة امريكا على إطلاق حرب أخرى بجانب العراق أو في طاقتها على احتمال الرد العسكري الايراني سواء جاء هذا الرد في الإقليم النفطي سريع الاشتعال او في إقليم القضية الفلسطينية وبلاد الشام حيث لايران حلفاء جربوا وصمدوا في ازمات وحروب سابقة.
المتشككون في جدية الرغبة الامريكية بضرب ايران لديهم أكثر من سبب وتحليل:
1- فهم يرون أن بين الولايات المتحدة وايران علاقات تعاون سرّي ومقايضة في المصالح, عمرها عقدان وان هذه العلاقة الوثيقة المكتومة, التي لا يضيرها بل يعززها تبادل الاتهامات النفطية والاعلامية, قد انجزت لكل منهما مكاسب ومواقع جديدة لها طابع استراتيجي. ويعطون على هذا »الزواج العرفي غير الموثق« امثلة عديدة في مقايضة المصالح:
سواء في حربي افغانستان والعراق حيث قدمت ايران الكثير من الدعم للتخلص من اعدائها السياسيين ومنافسيها المذهبيين,
اوفي بلاد الشام حيث اغمضت الولايات المتحدة عيونها ن التمدد الإيراني الذي وصل حدود البحر المتوسط في جنوب لبنان,
أو في الملف النووي الذي تغاضت عنه واشنطن - كما فعلت من قبل مع باكستان - حتى اوشكت طهران الآن ان تدخل نادي الدول النووية.
الذين يعرفون اجزاء من هذا التاريخ السري الغامض متعدد الطبقات للعلاقات الامريكية الايرانية, يتشككون في جدّية الموقف الامريكي المعارض لامتلاك ايران قنبلة نووية. وليس الرئيس الفرنسي جاك شيراك ببعيد عن هذه الفئة من السياسيين والمحللين الذين يقولون علنا ما قاله شيراك باسلوب الهفوة الصحفية عندما تساءل مؤخراً: وماذا يعني ان يكون لدى ايران قنبلة او قنبلتان نوويتان؟ انها لا تستطيع استخدامهما.
البعض الآخر ممن يتشككون بجدية التهديدات الأمريكية لايران, يعتقدون ان امتلاك ايران للسلاح النووي ربما يكون جزءاً من رؤية امريكية جديدة لا ترى ضيراً في أن يتصل شريط الاسلحة النووية من الهند الى منطقة الخليج ما دام ان ذلك سيفتح سباقاً محموماً بين دول آسيا وشمال افريقيا للانفاق الضخم على المفاعلات النووية, السلمية منها وغير السلمية. وفي نهاية المطاف فان مثل هذا الغليان المتشنج في الإنفاق والتسليح والاستنزاف, لن يغيّر شيئاً من منظومة القطب العالمي الأوحد.
وللمتشككين في جدية الرغبة الامريكية بضرب ايران وتحجيمها, سبب آخر وعليه شواهد كثيرة. فهم يشعرون بأن جناحاً رئيسياً في الخارجية الامريكية وفي وكالة المخابرات المركزية, قد عمل منذ فترة غير قصيرة لبناء تحالف مع ايران كقيادة للشيعة, وذلك في مقابل العلاقة القديمة المتهالكة لواشنطن مع دول السنة... وفي قناعة اصحاب هذه النظرية, أن واشنطن كان بامكانها وفي وقت مبكر, ليس فقط ان ترصد وتفسد البرنامج النووي الايراني, وانما ايضاً أن ترصد وتمنع التمدد الايراني السياسي والمذهبي في بلاد الشام... لكنها, اي واشنطن, لم تفعل لأن ذلك جزءٌ من برنامجها في إعادة صياغة خريطة وألوان الشرق الأوسط على قاعدة ما أصبح يعرف ب¯»الفوضى البناءة«.
هذا التسلسل الملتبس في العلاقات الامريكية الايرانية يشبه الى حد ما العلاقات الامريكية مع نظام صدام حسين حتى نهاية الثمانينات. في الحالتين كانت واشنطن تسمح لنفسها ان تفعل تحت الطاولة غير الذي تقول علنا.. تدعم سراً وتعارض لفظياً. ولذلك بقي هناك حتى اللحظة الأخيرة من يتشكك في جدّية المطالبة الامريكية بالانسحاب العراقي من الكويت معتبراً أن الاحتلال جاء برضى أو بتشجيع امريكي. وقد استغرق الأمر وقتاً ما ليبدأ الناس بالحديث عن فخّ نصبته واشنطن لحليفها السري - صدام حسين - ليقع فيه ويجر معه المنطقة كلها الى تاريخ جديد طويل من الاحتلال والاستنزاف والفوضى التي نعيش حلقاتها المتتالية.
هذا الفخ الامريكي الذي وقع فيه صدام حسين بنهاية الثمانينات, يبدو انه سيتكرر مع ايران لنرى حلقاته المتممة خلال الصيف القادم. وبذلك تكون الحفرة التي وقع بها صدام هي نفسها التي ينزلق اليها أحمدي نجاد في سياقات ومواصفات شخصية وسيكلوجية وإعلامية وسياسية تتكرر على نحو يعاند المنطق.
لا بأس بمزيد من التفاصيل والمقاربات.
فمن يستعيد ظروف احتلال صدام حسين للكويت وحرب الخليج الثانية في مطالع التسعينات, لا بد وأن تدهشه التفاصيل المماثلة التي تتكرر الآن في موضوع الملف النووي الايراني وفي العلاقات الامريكية الايرانية بطبقاتها المعلنة والأخرى السرّية.
ففي الحالتين, مع صدام وأحمدي نجاد, كان لعلماء النفس السياسي دور كبير في إدارة المواجهة حيث تستغل واشنطن المواصفات الشخصية المتشددة بلغة الخطاب المزدوجة لدى الرجلين, واطمئنانهما الى المصالح الخفيّة المشتركة التي تجمع بلديهما مع الولايات المتحدة, تم تتصرف واشنطن بالذي يوصف أنه فخّ يستوعب المنطقة كلها. وفي الحالتين غاب عن ذهني صدام وأحمدي نجاد أن اللعبة الأمريكية اشدّ تعقيداً مما يعرفه قادة عراقيون أو ايرانيون غير متمرسين كفاية بالالعاب الدولية الكبرى كونهم لم يغادروا بلادهم إلا للحج أو لمؤتمرات قمة مغلقة او لمناسبات رياضية في بعض دول الجوار.
في علاقتها مع عراق صدام حسين, ومع ايران احمدي نجاد, استخدمت واشنطن جملة من الظروف الدولية والاقليمية ومن المواصفات الشخصية لهؤلاء الزعماء وللمحيطين بهم, بحيث تكاد تكرر ظروف حرب الخليج الثانية (احتلال الكويت) تتشابه مع ظروف حرب الخليج الرابعة التي يبدو انه يجري التجهيز لها بمعطيات ربما يكون فات وقت تفاديها.
نقطة وحيدة بقيت بحاجة الى إجابة وهي: هل تستطيع الادارة الامريكية ان تحتمل تعريض دول الخليج العربية لضربات ايرانية في حال فتحت واشنطن معركة مع ايران بالاضافة لمعركتها في العراق? ويبدو ان الجواب قد توفر بالقناعة أن أي تخريب أو اضرار ستصيب منطقة الخليج ستفتح الأبواب للمصانع وللاقتصاد الامريكي بأن يعيد بناء هذا الإقليم ويستهلك فائض الأموال النفطية التي تراكمت خلال السنوات الثلاث الماضية. وقد أثبتت حروب الخليج الثلاث السابقة بالسنوات العشر التي تفصل بين الواحدة والأخرى, أثبتت أن النيران بين آبار النفط ليست نهاية العالم وأن الاقتصاد الامريكي يمكن ان يتعايش مع الحرب في الخليج, بل وأنه سيزدهر في اعقاب كلّ منها. ولذلك فان الحديث عن حرب رابعة في الخليج لا يقلق الادارة الامريكية الحالية التي تحتاج مثل هذه المغامرة.
mustafa@albaddad.com