الصندوق .. و«السين» الملعونة
أ.د عمر الحضرمي
17-08-2013 03:19 AM
في تموز 2011، أطلق جلالة الملك، خلال زيارته لمحافظة البلقاء، مبادرة إنشاء «صندوق تنمية المحافظات» على أن يُرصد له 150 مليون دينار على عدة سنوات. وقُصد أن تكون الرؤية الشاملة لهذا المشروع، الذي وإن كان يبدو صغيراً في سياقه الظاهري، هو مشروع حيوي تنموي مركزي، رؤية واسعة الأفق لأنه (أي المشروع) أولاً يذهب إلى المواطن في مساكنه، دون أن يكلفه عناء اللهاث خلف المشاريع التي ترسم وتُلّون بأحجام المركز وأطيافه. وثانياً لأنه يلمس الحاجات الأساسية لهذا الموطن من حيث تدريبه وإعادة تأهيله، ثم تقديم المساندة الماديّة له ليبدأ رحلة صناعة المشاركة الاقتصادية المأمولة.
بالرغم من مستوى الطموح الذي رافق إنشاء الصندوق، فإن حجم الإحباط قد قضى على كل ما عُوّل عليه من إمكانية إعادة التوازن بين أجزاء الدولة الأردنية، والبدء العملي الجاد في تحقيق عدالة توزيع القيم الاقتصادية والاجتماعية في الدولة. وبالرغم من متابعة التفاصيل، من قِبَل جلالة الملك شخصيّاً، فإن هناك عجزاً بيّناً في الانجاز من قِبل الكوادر المكلّفة بذلك، ويكفي على ذلك مثلاً أننا لم نر إلى اليوم مشروعاً قائماً على أرض الواقع يتحدث عن البدء بإنْفاذ الاستراتيجية التي وضعت لهذا الصندوق وبإشراف جلالة الملك، مع أن هناك مبالغ ليست بالصغيرة مرصودة له، إلا أنه يجري تدويرها من عام إلى عام، الأمر الذي أزعج جلالة الملك، فعقد اجتماعاً في الرابع عشر من آب الحالي دعا إليه المسؤولين عن تنفيذ الرؤية والأجندة.
ولقد لوحظ أن مفردات خطاب جلالة الملك، في الاجتماع المذكور، قد حملت أبعاداً من لوم الأجهزة الرسميّة التي لم تبدأ منذ تموز 2011 حتى اليوم بأي خطوة تدل على أن الجديّة والاردة، وأن العزم أكيد. ولكي يضع المسيرة على سكتها الصحيحة، فقد طلب جلالته من الحكومة أن تُجري مراجعة جذرية وعاجلة لكل عملية تنمية المحافظات لتعزيز التنمية المستدامة والشاملة فيها.
وذهب جلالته إلى أبعد من ذلك، حيث دخل في التفاصيل وبيّن للحكومة، بأجهزتها الرسمية وشبه الرسمية، كيفيه العمل وخططه ومراحله، وذلك بعد أن أُعيدت على مسامعه كل الجمل التامة والناقصة التي بدأت جميعها «بالتسويف». وهنا أجْزمُ أن جلالته، وقد ظهر ذلك من خلال الكلمة التوجيهيّة التي ألقاها، قد شعر بأن هناك حالة من الترهل في الاستجابة للمبادرات التي تم طرحها، إذ غالباً ما تذهب هذه الأجهزة إلى الحديث عن الصعوبات والتحديات، وتحرص على أن تقف عندها كثيراً، دون أن تقول إن كان هناك حل مدروس أو مقبول أو ممكن قد تمّ التوصل إليه.
ولم يسكن التوجيه الملكي عند حد منذ زمن، ففي 24/ 1/ 2011 كان جلالته قد شدّد على ضرورة أن يلمس المواطنون في المحافظات النتائج الإيجابيّة للصندوق عبر توجيه جزء كبير من موارده لإطلاق مشاريع إنتاجيّة توفر فرص عمل، وبالذات في المناطق التي تواجه نسباً مرتفعة من الفقر والبطالة. وحتى يتم ذلك أكد جلالته على أهمية العمل الميداني للوزراء، وضرورة بناء حالة عميقة من التواصل مع المواطنين ومناقشة مشاكلهم وقضاياهم على أرض الواقع في مناطقهم.
على الحكومات أن تعترف أنها فشلت في إنجاز التنمية المجتمعيّة، وأنها بدت غير قادرة على تغيير سلوك الممارسة العاجزة التي طغت على إدارتها لمشاريع التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة.
الصندوق امتحان عملي للأجهزة الرسمية التي تشكل جسم الحكومة، وتحد كبير أمامها، فهل نحقق لجلالة الملك طموحه، وهل يرزقنا الله القدرة على إلغاء «السين» الملعونة والتخلص منها، بحيث نبدأ بمكافحة الفقر الذي وصل حجمه اليوم إلى أكثر من 14.5%، دون أن ندبّج القصائد الشعرية في هجاء الفقر والبطالة، ولعن الظلام. فالأمر مهم فدعونا نتعامل معه بكل جدية وحزم.
الرأي