ليس ربيعا عربيا بل عودة لعصور الظلام
باتر محمد وردم
16-08-2013 03:14 AM
ما حدث في مصر يوم الأربعاء كان فظيعا. وقوع أكثر من 500 شخص قتلى نتيجة فض الاعتصامات والعنف الذي أعقب ذلك من قبل كافة الأطراف هو حصيلة إنسانية مرعبة لصراع سياسي داخلي. قيمة حياة كل شخص كبيرة بغض النظر عن مكانة دوره. مقتل ابنة محمد البلتاجي كارثة حقيقية للعائلة ولكل من عرفها، وكذلك الأمر لكل شاب مات وهو يشارك في الاعتصام، وأيضا لكل إعلامي وشرطي قتل وهو يقوم بواجب مطلوب منه، وكل شخص وقع بين الطرفين ودفع الثمن نتيجة العنف المتهور الذي خرج عن السيطرة.
العنف والقتل الذي حدث كان فظيعا، ولكن ايضا الحملات الإعلامية والسياسية من الطرفين التي أعقبت فض الاعتصامات لا تقل سوءا. ظهر في وسائل الإعلام المختلفة وفي التيارات السياسية والنشطاء المؤيدين لكل طرف العديد من خطابات الكراهية والحقد التي تشكل خطورة كبيرة على مستقبل السلم الداخلي في مصر والعالم العربي كله.
البعض يرى في كارثة يوم الأربعاء هجوما قاسيا ووحشيا من الشرطة على معتصمين سلميين، والبعض يرى فيها حربا مشروعة ضد الإرهاب ويركز على عمليات قنص وقتل الشرطة وحرق المنشآت العسكرية والكنائس والممتلكات الخاصة على مستوى كافة المحافظات. الصورة الكبيرة هي مزيج من كل ذلك، يعكس انزلاقا خطيرا نحو استسهال القتل وتبرير العنف تجاه المختلفين. دعونا نكون صريحين ونقول بأنه لا يوجد ملائكة مقابل شياطين في الصراع في مصر والعالم العربي لأن الجميع أخطأ سواء من الإسلاميين والليبراليين واليساريين في تبرير العنف الممارس ضد خصومهم ورفض العنف الممارس عليهم.
قبل ما يسمى الربيع العربي كانت الدول العربية تعاني من الفساد والقمع ولا زالت، ولكن بعد «الربيع العربي» اضيفت عوامل في منتهى الخطورة أهمها الصراع الداخلي بين المجتمعات العربية والتيارات السياسية فيها والتي تظهر بشكل واضح من خلال التباينات الطائفية والدينية والعرقية والتنظيمية. طغت فكرة الإقصاء والكراهية بحيث اصبح قتل المختلفين سياسيا خيارا مبررا لدى كل الفئات المتصارعة وليست فئة واحدة فقط. تراجع الشعور الإنساني بالتضامن مع قيمة الحياة البشرية لمصلحة ثقافة قطيع تتميز بالكراهية والحقد الجماعي والرغبة في التدمير المشترك.
لا يوجد ربيع عربي يمكن الحديث عنه بعد الآن، ومن الأفضل تناسي هذه الكذبة الكبيرة. الدول العربية التي جرفها تيار الاحتجاج والغضب مثل مصر وسوريا وتونس وليبيا واليمن أصبحت في حالة بائسة من الصراع الداخلي. الدول الأخرى مثل الأردن والبحرين والمغرب والجزائر تعاني من صعوبات في ضبط انتشار الخطابات التحريضية والحفاظ على الحد المعقول من الأمن الاجتماعي وتحقيق إصلاحات سياسية تقدم الضوابط المطلوبة لنقل الدول العربية إلى مستوى من الاستقرار السياسي والديمقراطية والحفاظ على طبيعة العمل السياسي السلمي بين كل الأطراف.
قبل ما يسمى «الربيع العربي» وبالرغم من الفقر والفساد والقمع كان يوجد الحد الأدنى من مؤسسات الدولة التي تضبط الإدارة العامة وتحقق مستوى معينا من الأمان الاجتماعي والسياسي وفرصا للناس ليعيشوا حياتهم حسب خياراتهم. الآن في عهد الربيع العربي تحولت المجتمعات العربية إلى تيارات متصارعة تكره بعضها وغاب الأمن الاجتماعي وأغلقت فرص الحياة الكريمة ولم يستفد أحد سوى وسائل الإعلام العربية والفضائيات التي جعلت من أنهار الدم والدموع عناصر «جذابة» لبرامج الواقع البائس المبني على كوارث يعيشها الناس يوميا.
الدستور