ما زال يبحث عما تبقى من حشائش الربيع في أديم الأرض..تجده سارحا مع جديانه بين قصور عبدون ودير غبار ، يمر منها دون أن يأبه لها كثيرا، يعتبرها سفنا فضائية حطّت بصفاقة فوق مراعيه وبيادره، قادمة من عالم غير عالمه ومن زمان غير زمانه.
بيدين مجبولتين بأديم الأرض !!
وبوجه من جلمودها!!
وقلب من شيح ودحنون وقيصوم وزعتر!!
يرفل هذا الرجل الجليل بثياب مهترئة ، وبمعدة اعتادت النوم على الطوى!!
هذا الرجل أشرف منا جميعا ،وأغنى منا جميعا .. وأجمل منا جميعا ... لم يرهن تراب وطنه ولم يراهن على حريته على مائدة صناديق العالم الخضراء(إياكم وخضراء الدمن) .
هذا رجل حقيقي.
يحلب الصخر ويأكل من قثاء الأرض وترعى شياهه في بطينها الرحب ، فيرتوي من حليبها ويأكل من مشتقاته، ويولم على لحمها- ان استطاع- ويبني بيته ويلبس ويصنع أدواته من جلدها وشعرها وصوفها.
هذا الرجل أنجز وطبق مثل أجداده نظرية الاكتفاء الذاتي ، لا بل حولها من نظرية الى قانون.. الى شريعة .. الى ممارسة عملية يومية حية :
يأكل ويلبس مما ينتج وما يفيض حاجته يبيعه لنا .
هو مثل شياهة وماعزه ... يرعى بها وترعى به .. يجتازون معا السهول والوهاد وبطون الجبال .. يعرفها تماما ويسميها بأسماء سرية لا يعرفها سواه. انه يعشقها.
نعم يعشقها ... لكنه يضطر احيانا لبيع بعضها او لذبحها... يحزن مع انها (حلاله) الصافي الشريف.
عصاه وشبابته .. توحده شبه الدائم .. عمله الدؤوب طوال العام .
هذا هو الأردني الشريف المنتج اكثر منا جميعا .
يقول السيد المسيح: -
(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
هذه قصة حياته !
هذه قصة حياة رجل حقيقي.
ghishan@gmail.com
الدستور