لعل من فرط الصدفة أن تُجمع مسلسلات رمضان أو معظمها على أن تسير بنا على مدى ثلاثين يوما من المشاهدة، وأن تأخذنا معها في دهاليز التخيلات والهواجس وأفكار المؤلفين وخطوطهم الدرامية إلى ذات النتيجة والتي مفادها الجنون.
الجنون في "اسم مؤقت" أصبح واقعا رسمته عصابات متنفذة عاثت بالبلاد بلاء وفسادا لخدمة مصالحها وأهدافها الخفية، كاد أن يصدقه بطل العمل يوسف رمزي نفسه حتى أصبح لا يرى الخط الفاصل بين عقله وجنونه، إلا بما تمنحه هذه الجهات المتداخلة المصالح والمعارك من معلومات.
هو ذاته الجنون الذي اكتشفناه بمفاجأة لم يتوقعها أحد لبطلة "حكاية حياة"، حين استحوذت منا طوال رمضان على التعاطف والاهتمام والإيمان بصدق وعدالة الحكاية، ثم لندرك ببساطة أن صاحبة الحكاية ما هي إلا مريضة نفسيا تحركها هواجسها وأوهامها.
في "الشك" أيضا تصل وسيلة، الحالمة بالملايين حتى لو على حساب شرف الأسرة وسمعة الأم، إلى الجنون بعد أن استنفد عقلها كل الخيارات وبعد أن خاضت كل التجارب للاستحواذ على الثروة المزعومة.
وفي "لعبة الموت" تصارع البطلة (نايا) على مدى حلقات المسلسل جنون زوج مهووس يعشق التملك ويطاردها حتى الموت ليدفع ثمن جنونه في اللحظة الأخيرة من المسلسل، حتى(الكبير أوي) أُدخل لمستشفى الامراض النفسية بشبهة جنون.
لم أدرك مشاهدة أعمال أخرى في رمضان لعلها تكون مصادفة قد انتهت أيضا نهاية مجنونة أو بالكشف عن مجنون يختبأ داخل شخصية تبدو عادية. لكنني أجزم أن المؤلفين وصناع السيناريو والحوار في مسلسلات رمضان أبدعوا فكراً أدى إلى نهايات متقاربة، لكنه قدم متعة مشاهدة، وأداء رفيعا لممثلين كيوسف الشريف وغادة عبد الرازق وعابد فهد وغيرهم من أولئك الذين خرجوا من رمضان "مجاننين".
أما نحن الجمهور الأردني الوادع، فقد كدنا كلنا أن ندرك الجنون نفسه عبر مشاهدة أعمال على شاشتنا الوطنية لم ترق لا لرمضان ولا لمستوى المشاهدة وايقاع المنافسة المحمومة في رمضان.
ليس بتبديل الوجوه، وليس بترقيع الأخطاء التي تتداعى مع كل ظهور جديد حتى ليالي العيد، يكون إنقاذ ما يمكن إنقاذه في ذروة المشاهدة التلفزيونية، ولكن بتحديد الآراء الاستشارية الموغلة بعدم المعرفة التي أشارت على صاحب القرار في التلفزيون لشراء مسلسلات معينة، واستبعاد مسلسلات لممثلين أردنيين وسط نجوم عرب.
في رمضان انتهى المطاف بأبطال المسلسلات إلى الجنون، وفي رمضان معنا أحلى على شاشة التلفزيون كدنا أن نصاب بالجنون أيضا بسبب فرط الدهشة.
hani.albadri@alghad.jo
الغد