التعليم .. رواية أردنية منسية
ابراهيم غرايبه
15-08-2013 03:29 AM
كان التقدم المهني والشخصي يبدأ بالتفوق التعليمي؛ قيادات الدولة والمجتمع تشكلت في الدولة الحديثة حول التعليم. وربما يفسر ذلك الإقبال الأردني الواسع على التعليم.
وعندما أُلحقت المدن والأسواق والمجتمعات بالدولة، لم تعد تتشكل نخب وقيادات اجتماعية ومحلية مستقلة عن الدولة، وأصبح المعلم أو الطبيب أو الحاكم الإداري هو القائد الاجتماعي. وحتى التجمعات الانتخابية للنواب والبلديات، وإن كانت على أساس عشائري وقرابي، فإنها كانت تدفع إلى النخبة القيادات الجديدة المتعلمة، وليس الزعماء التقليديين. أصبح قائد العشيرة هو المهندس أو الضابط أو الطبيب الذي يتقدم في الحياة العامة والوظائف والتأثير؛ هو في الحقيقة ليس زعيما عشائريا، والعشيرة أيضا لم تعد عشيرة، ولكنها تجمعات قرابية حول من يملك فرصة النجاح والتأثير.
هل بقي التقدم في الحياة العامة وفي التأثير السياسي والعام، والنجاح الاقتصادي والشخصي، قائمين على التعليم؟ هل بقيت فرص التقدم في التعليم قائمة على التفوق؟ هل تتشكل الأسواق والأعمال وفرص التقدم الاقتصادي اليوم حول الوظيفة العامة أو الشهادة الجامعية؟
لو عادت بي الأيام الى مرحلة الثانوية، لتوقفت عند التعليم الأساسي، ثم مضيت في التعليم الحرفي واكتسبت حرفة؛ نجار بشكل خاص، أو في البناء والصيانة. وربما في أثناء ذلك أكملت دراستي الجامعية في مجال أحبه ويرقى بالإنسان بهدف العلم لذاته، أو للارتقاء بالذات والحياة؛ من اللغات أو الآداب أو الفلسفة أو التاريخ أو الدين أو الفنون. لو أني رسبت في الثانوية العام 1980، لربما كنت اليوم صاحب مصلحة ودخل مستقل، أمضي جل وقتي في القراءة والكتابة.
لقد تعلمت في الجامعة مهنتين، المكتبات والعمل الاجتماعي، ولكني لم أشتغل فيهما إلا قليلا. وعملت فيما علّمته لنفسي بنفسي؛ الكتابة. ولكن سوقها في بلادنا ليست مستقلة، ولا علاقة وثيقة لها بالمجتمعات والمدن والأعمال والأسواق، ولا بحياة الناس ومصالح الدول الحقيقية؛ فهي ما تزال مهنة تمارس بعيدا عن بيئتها وأسواقها الفعلية، أو أن سوقها ضعيفة. الإعلام في بلدنا لم يتحول إلى صناعة وأعمال تنشئها الأسواق والمجتمعات!
بودي لو أهنئ غير الناجحين في الثانوية العامة، أو من لا يتاح لهم أو لا يريدون أن يواصلوا التعليم الجامعي؛ إن كان في ذلك فرصة لحياة عملية ذات جدوى ومعنى، أو لنقل ببساطة أن نضيف لأنفسنا والناس شيئا ضروريا، ويكون غيابنا فراغا يبحث عنه الناس.
وهكذا، فإني أرى عامل النظافة أهم مني بكثير؛ ففي حضوره أو غيابه معنى خطير وجميل. وفي قياس النجاح والفشل استنادا إلى الدخل، فإن الحرفيين جميعهم قادرون على تحصيل أضعاف ما أحصل عليه من الكتابة، أو ما يحصل عليه أستاذ جامعي أو مهندس أو موظف في القطاع العام أو الخاص!
ibrahim.gharaibeh@alghad.jo
الغد