التحولات والثورات من اجل الانتقال الى شكل جديد للنظم السياسية حالة حدثت في اغلب دول العالم خلال الموجات الثالثة للتحول نحو الديمقراطية، والاستثناء الذي استمر عصي على التحول حتى قيام الثورات العربية تجسد في منظومة الدول العربية، وهذا ما دعا كامرافا ومورا للقول» لو ان الموجة الاخيرة من الديمقراطية منذ اوائل الثمانينات من القرن العشرين وحتى منتصفها كانت تتجه في مسيرة عالمية فهي اما انها قد تخطت الشرق الاوسط تماما او ان عليها ان تبدأ في تقديم نفسها في المنطقة».
بيد ان التحول الذي حدث في دول اوروبا وغيرها من دول العالم حدث وسط توقعات لتغير شكل النظم السياسية الى نظم ديمقراطية مع حفاظ الدول على كياناتها بينما في الدول العربية يحدث التحول وسط تساؤلات هائلة حول قدرة الدولة على الصمود ككيان وسط هذه التحولات، يعزز من هذه الحالة هشاشة البنية المؤسسية للدولة وهشاشة بنية المجتمع وهشاشة البنية الاقتصادية واعتمادها المفرط على الخارج وبالتالي هشاشة بنية الدولة ككل.
ازاء ذلك فان النقاش اليوم حول مصر في حال استمرت حالة الاستقطاب المجتمعي وتحولت الى حالة من الاستقطاب العميق في ظل هشاشة بنية المجتمع والاقتصاد ينبغي ان يتجاوز ميدان التحرير وميدان رابعة العدوية الى مناقشة فكرة صمود بنية مصر كدولة من الانهيار.
فالقضية في العالم العربي بشكلها الراهن.. لم تعد صراعا على الاصلاح ولا صراعا على السلطة وطبيعة نظم الحكم القادمة بقدر ما هي صراع على بقاء فكرة الدولة التقليدية وقدرتها على الاستمرار. وبغض النظر عن الأصول التاريخية للدولة العربية، سواء ولدت ناقصة الشرعية أو فاقدة لها، فإن من أهم نتائج الثورات العربية إعادة السؤال حول شرعية ومستقبل الدولة.
واليوم فان اراء العديد من الباحثين تتركز حول سيناريوهين لمستقبل الدولة العربية في الثورات:
الاول يشير الى تجاوز فكرة الدولة لمصلحة كيانات أكبر من الدولة ، وذلك من خلال إنشاء تجمعات أو دول كونفيدرالية أو فيدرالية. فالقوى التي شاركت في الثورات العربية، وكان لها دور أساسي أو محوري فيها، لا يؤمن معظمها بالدولة القطرية، ويسعي إلى تأسيس كيانات تتجاوز الدولة وتعلو فوقها.
والثاني يشير الى تجاوز الدولة لمصلحة كيانات أصغر: عرقية أو دينية أو إقليمية وهو احتمال يشير إلى احتمال تفكك الدولة المركزية في مقابل الدولة غير المركزية التي تشهد مناطقية شديدة وحكماً محلياً لدرجة الانفصال، كما في حالة السودان، أو أقاليم متمردة، كما في حالة العراق، وسوريا ان تطورت الاوضاع فيها. وإغواء أكراد سوريا للانضمام إلى أكراد العراق لإنشاء دولة جديدة لهم.
في مختلف الحالات، فإن الدولة في الواقع العربي بكيانها وحدودها أصبحت موضع شك وليس من الضرورة ان يأخذ تحولها شكلا واحدا فقد تحدث حالات من التجمعات الكونفدرالية او الفدرالية وقد تحدث حالات سقوط وتشظي وتفسخ لبعض الدول، وقد تستمر دول على شكلها الراهن في ظل عدم سوء اوضاعها الاقتصادية وقدرتها على المحافظة على ادوارها التقليدية.
ويبقى ان متابعة الخطاب السياسي في دول الثورات وغيرها وواقع هذه الدول اقتصاديا ومجتمعيا يبرز عمق هذه الإشكالية، والخوف من ان تتسع قاعدة الدول العربية المتجهة نحو السقوط والتشظي إلى كيانات سياسية صغيرة على أسس إقليمية أو مذهبية أو عرقية.
"الراي"