الانتخابات البلدية حجر الزاوية للتنمية الشاملة
د غازي أبو عرابي
13-08-2013 12:40 PM
انطلق قطار الانتخابات البلدية باليافطات وصور المرشحين والإعلانات بأشكالها المختلفة في مختلف مدن وقرى المملكة،ومع ذلك تبقى هذه الانتخابات لدى معظم الناس اقل أهمية من الانتخابات البرلمانية،ولذلك لا يوجد حماس حقيقي لها،بينما نجد العكس في كثير من الدول المتقدمة وخاصة فرنسا حيث تعد الانتخابات البلدية أكثر أهمية من باقي الانتخابات،لأنها تحدد الخارطة السياسية المستقبلية حيث تتنافس الأحزاب للسيطرة على البلديات وخاصة في المدن الكبرى كي تحقق برنامجها في الإدارة المحلية من اجل إقناع الناخبين بهذا البرنامج،وبالتالي تحقق مكاسب اكبر في الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
فالرئيس الفرنسي جاك شيراك لم ينجح في انتخابات رئاسة الجمهورية إلا بسبب نجاحه كرئيس لبلدية باريس لمدة 18 سنة من عام 1977-1995 وكذلك الرئيس الإيراني السابق ورئيس وزراء تركيا الحالي وغيرهم.
وأهمية الانتخابات البلدية في كثير من الدول أنها تنطلق من برامج للمرشحين أو برامج للأحزاب هدفها تحقيق تنمية محلية من اجل التنمية الشاملة،وتسعى الى طرح الأفكار والرؤى للتخفيف عن كاهل المواطن،ليس فقط من خلال حل مشكلة الخدمات اليومية بل أيضا تسعى إلى تطوير البيئة المحلية لتكون بيئة جذب للاستثمارات والمشاريع وخلق تنافس بين البلديات لذلك يلاحظ من يزور الدول المتقدمة انه لا فرق على الإطلاق بين المدن الكبرى والريف من حيث الخدمات وهذا يمنع الهجرة من الريف للمدن.
يبقى السؤال اين نحن من كل ذلك؟
الأحزاب عندنا غائبة عن معركة الانتخابات البلدية حتى ولو قام البعض منهم بدعم عدد من المرشحين،فهذا لا قيمة له،المهم ان يكون لمرشحي الحزب برنامج عملي ينطلق من الواقع الذي نعيش ويضع حلول للمشاكل اليومية التي يعشها المواطن في كل مدينة وقرية، ويسعى البرنامج إلى خلق تنمية محلية من خلال طرح مشاريع تتلاءم مع كل مدينة حسب ما لديها من ثروات وموارد.
نحن بحاجة مآسه إلى برامج يلتزم بها المرشح وقابلة للتنفيذ تضع حلول للخدمات التي قصرت للأسف كثير من المجالس المحلية السابقة في تقديمها خاصة في مجال النقل والنظافة ومحاربة تلوث البيئة التي باتت تؤرق المواطن الأردني بشكل دائم.
في الحقيقة الخلل ليس فقط في الأحزاب السياسية وتقصيرها في تقديم برامج،وإنما أيضا في القوانين وتحديدا قانون البلديات الذي لغاية إلآن لم يشترط في المرشح لرئاسة البلدية او للعضوية مستوى تعليمي معين،ويشترط فقط الإلمام بالقراءة والكتابة،فهذا قطعا لا يكفي كحد أدنى للمستوى التعليمي الذي يجب توافره في المرشح ولا يتناسب مع الدور الذي يضطلع به رئيس او عضو المجلس البلدي او مجلس الأمانة حيث يشارك في سلطة تقرير سياسية البلدية الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية،ووضع الخطط والبرامج المطلوب تنفيذها خلال مدة ولاية المجلس،ولا يتناسب مع المسؤوليات التي وضعها القانون على عاتق المجلس البلدي والدور القيادي الذي عليه أن يقوم به لرفع المستوى الاجتماعي والتعليمي والاقتصادي والصحي والعمراني في المنطقة التي تتبع المجلس البلدي.
ان معالجة الخلل في شروط الترشح للانتخابات البلدية تتطلب أن ينص القانون صراحة على مستوى تعليمي أدنى كالدرجة الجامعية الأولى،وفي فئات المدن الكبرى لا بد من شرط الخبرة الإدارية والفنية العملية ليتمكن من ينجح في هذه الانتخابات من القيام بالمسؤوليات التي اناطها القانون للمجالس البلدية.
كيف لنا ان نفاخر ان الأردن يحتل مرتبة متقدمة في نسبة التعليم،وفي عدد الجامعات الحكومية والخاصة مقارنة بعدد السكان ولدينا الآلاف من حملة الشهادات العليا (الماجستير والدكتوراه) ثم نأتي للمرشح في المجالس المحلية الذي يفترض ان يقود الإدارة المحلية ولا يشترط فيه سوى الإلمام بالقراءة والكتابة هذا لا شك تناقض واضح وخطير.
آن الأوان لإعادة النظر بهذا الخلل من اجل اختيار أهل العلم والخبرة والكفاءة لتحقيق تنمية محلية،وحل مشاكل الناس وتقديم أفضل الخدمات لهم. لذلك فان المجالس البلدية المنتخبة لن يكون لها تأثير ايجابي على واقع البلديات،ولن تكون قادرة على طرح حلول جذرية للمشاكل التي تواجه المواطن الا بإعادة النظر بمنظومة التشريعات التي تنظم عمل البلديات ووضع شروط للعضوية ولرئيس البلدية تتناسب مع المستوى التعليمي والثقافي الذي وصل إليه الأردن، ولا بد من تعزيز البعد الوطني في هذه الانتخابات والابتعاد عن البعد العشائري والقبلي الذي يفرق الناس كما لا بد من منح هذه المجالس سلطات تمكنها من تحقيق تنمية محلية من خلال إقامة مشاريع تتناسب مع طبيعة المنطقة،وتوفر موارد مالية خاصة لكي تتمكن من تأدية عملها على خير وجه. وهذا يتفق مع أسس اللامركزية الإدارية وتفعيل أجهزة الرقابة الإدارية والمالية.لن تقوم للبلديات قائمة طالما نستخدم نظام الفزعة في الانتخابات والعشوائية،فلا بد ان يحل محل هذا كله معيار الكفاءة والخبرة في من يرشح نفسه للانتخابات والقوائم الحزبية،وهذا يؤدي الى إيجاد مجالس بلدية محلية كفؤ قادرة على حل مشاكل الناس والنهوض بالمدن والقرى وتطويرها كسلطة مركزية،ويحقق عدالة في توزيع الخدمات وتنوعها بدل من تركيزها في العاصمة فقط. ونجاح المجالس المحلية المنتخبة يساهم في نشر الوعي الديمقراطي من خلال تدريب المواطنين على إدارة شؤونهم المحلية وتحمل المسؤولية. وهذا يؤكد ان ديمقراطية الإدارة المحلية تعتبر جزء لا يتجزأ من نظام الحكم الديمقراطي بالدولة كلها. فالمجالس المحلية يجب ان تكون مدارس لتعليم أسس الديمقراطية من خلال إشراك هذه المجالس في إدارة وحداتهم المحلية،وهذا لا يتناقض مع مركزية التخطيط في الدولة. لان أداء الخدمات العامة بكفاءة على المستوى المحلي يعتبر أحد المتطلبات الأساسية لتحقيق نجاح الخطة التنموية الشاملة على مستوى الوطن.
وأخيرا فإن نجاح المجالس المحلية في القيام بالخدمات العامة يؤدي الى القضاء على البيروقراطية التي تلازم تركيز السلطة في العاصمة وبعد الإدارة،وبالتالي تتم الخدمات بواسطة أشخاص لا يدركون طبيعة الحاجات المحلية. كما ان نجاح هذه المجالس يعمق ويغذي الانتماء الوطني من خلال الشعور بوجود مصالح محلية مشتركة.