الديمقراطية والأحزاب وأحداث الجزائر .. العين راتب الوزني
13-08-2013 04:15 AM
بسبب ما حدث في الجزائر الشقيقة فقد كثر الكلام عن الديمقراطية وضرورتها وفيما اذا كانت تناسب دول العالم الثالث, ام انها لا تصلح الا الى البلاد التي وصلت درجة معينة من الحضارة والتعليم.
وقد تابعت معظم ما كتب في هذا الشأن واردت ان اسهم مثل غيري ممن كتب في هذا المجال خاصة وان دراستي العليا كان جزء منها يتعلق بهذا الموضوع.
فبالنسبة لبلدنا الاردن وبالنسبة لباقي اقطار العالم العربي نستطيع ان نقول باطمئنان انه منذ الاف السنين لم تطبق ديمقراطية حقيقية في هذه البلاد, ومع ان الاسلام دعا الى الشورى (الديمقراطية) الا ان الخلفاء الامويين والعباسيين ومن بعدهم الخلفاء العثمانيين تجاهلوا دعوة الاسلام الى الشورى لم يسمحوا بها وحكموا حكما فرديا كان في بعض الاحيان متسامحا وفي اغلب الاحيان حكما ديكتاتوريا لا يسمح بالرأي الاخر ولهذا نستطيع ان نقول ان العالم العربي لم يعرف الديمقراطية الا في هذا القرن.
وحيث ان العالم يتجه بسرعة نحو الديمقراطية فلا يمكن لبلد من البلدان ان يعزل نفسه عن هذه الظاهرة ويعيش ضمن اسوار الفردية والدكتاتورية والا تعرض لحرب اهلية وثورات واعمال عنف وسفك دماء.
فقد انتشرت الديمقراطية في جميع الدول الاوروبية بعد انهيار الشيوعية في الاتحاد السوفياتي ودول اوروبا الشرقية, كما ان جميع دول اميركا الشمالية والوسطى والجنوبية تقريبا اصبحت دولا ديمقراطية.
وانتقلت ظاهرة الديمقراطية الى الدول الاسيوية فتحولت دولها الكبيرة مثل الهند وباكستان وبنغلادش ودولها الصغيرة او المتوسطة مثل كوريا الجنوبية وسيرلانكا وتابوان الى الديمقراطية, كما ان هناك دولا اسيوية اخرى في طريقها لتطبيق الديمقراطية وبدأت رياح الديمقراطية تهب على الدول الافريقية ايضا فقد سمحت مصر وتونس والمغرب وموريتانيا بالتعددية الحزبية وكذلك فعلت بعض دول القارة السوداء.
ان المتتبع لما يجري في العالم يستطيع ان يتوصل بسهولة الى ان الدول صاحبة النفوذ في العالم هي التي تدفع دول العالم الثالث الى التحول الى الديمقراطية لاعتقادها ان الديمقراطية تؤدي الى ان تصبح قيادة هذه الدول قيادة جماعية وبالتالي لا تظهر في هذه الدول قيادات فردية تميل الى المغامرات والتوسع والحروب والى ان الديمقراطية تؤدي الى امتصاص نقمة الشعوب وغضبها عندما تمر بها ازمات وخاصة الازمات الاقتصادية, فتتولى هذه الشعوب عدم انتخاب الحزب الحاكم وتنتخب غيره على امل ان يتمكن هذا الحزب او الاحزاب الفائزة بالقضاء على الازمة, كما ان اطلاق الحريات للمواطنين والسماح للرأي الاخر يسمح بانتقاد الاعمال الخاطئة للادارة الحكومية مما يؤدي الى تحسين ادائها وابتعادها عن الفساد. كما يؤدي انتقاد الافعال الخاطئة للقطاع الخاص الى منع الاحتكار واستقرار الاسعار وتحسين نوعية الانتاج.
جميع هذه الامور جعلت الدول صاحبة النفوذ في العالم تضغط لتطبيق الديمقراطية في دول العالم الثالث على اعتبار ان تطبيقها فيه منفعة لهذه الدول صاحبة النفوذ ولدول العالم الثالث على السواء, كما ان فيه احترام لانسانية الانسان.
فماذا عن العالم العربي؟؟
بكل فخر نستطيع ان نقول ان الاردن هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي حتى الان.
اما باقي الدول العربية فبعضها لديه تعددية حزبية شكلية ولكن يجري التدخل في الانتخابات من اجل انجاح حزب معين بالاغلبية الساحقة وترك بعض المقاعد لبقية الاحزاب وبعضها يحكم بنظام الحزب الواحد وهو بطبيعة الحال نظام غير ديمقراطي رغم التسميات.
اما الباقي فلا يوجد فيه تعددية حزبية حتى لو كانت شكلية, ولا يوجد فيه نظام الحزب الواحد بل يحكم فرديا او فرديا وراثيا بطريقة بدائية متخلفة.
فكيف يمكن انتقال هذه الانظمة العربية الى الديمقراطية دون المرور بثوابت وحروب اهلية وسفك دماء.
فبالنسبة للدول التي لديها تعددية حزبية شكلية او تحكم من قبل الحزب الواحد فيمكنها الانتقال للديمقراطية بسلام اذا اتبعت الاسلوب التالي:
1 - السماح بالتعددية الحزبية بشكل صحيح.
2-عدم السماح لأي شخص بترشيح نفسه للانتخابات الا اذا كان منضويا تحت حزب معين على ان يرشح نفسه عن هذا الحزب.
3- عدم السماح للحزب الواحد ان يرشح لأكثر من 25% من مقاعد البرلمان.
4- ان يتم الانتخاب للحزب وليس للأشخاص.
5- ان يكون هناك ميثاق وطني توقع عليه جميع الاحزاب بالموافقة على هذه المبادىء وبتفويض الجيش بالمحافظة على هذه المبادىء اذا اراد أحد الاحزاب الانحراف عنها.
وبهذا نضمن ان لا يتسلط حزب معين على السلطة وان ينتخب الناس الحزب الذي تكون مبادئه اقرب الى ميوله والى ما يعتقد انه يمثله افضل من غيره.
كما ان هذه الطريقة تشجع الدول ذات الحزب الواحد او ذات التعددية الشكلية الى تطبيق الديمقراطية.
ان هذه الدول ولعدة عقود من الزمن كانت لا تعين في المناصب الادارية العليا وفي الوظائف القضائية والعسكرية الا من كان منتسبا للحزب الحاكم ويخشى هؤلاء الموظفون والعسكريون اذا طبقت الديمقراطية على الطريقة الغربية ان يخسروا وظائفهم واعمالهم وان يتولى الحكم حزب يعزلهم وقد يضطهدهم او يحاكمهم ويعدمهم.
لقد كان النموذج الايراني نموذجا لا يشجع على الاقتداء به، فقد عزل جميع موظفي الدولة الرئيسيين وحاكم وسجن او اعدم الالاف من المسؤولين المدنيين والعسكريين كما انه تدخل في الحرية الشخصية للمواطنين وقضى على حرية الصحافة والاعلام فهو اذاً نظام حزب واحد حل محل نظام الحزب الواحد مع كل مساوئه ونقائضه.
لو جرى تطبيق الاسلوب الذي اشرنا اليه لما حصل ما حصل في الجزائر فقد كانت هناك رغبة لدى زعماء الجزائر من جبهة التحرير الجزائرية لتطبيق الديمقراطية والتعددية الحزبية, ولكن لما ظهرت نتيجة الانتخابات وتبين ان جبهة الانقاذ الاسلامي فازت باغلبية المقاعد فبدلا من ان تطمئن هذه الجبهة الناس والموظفين والجيش والاحزاب الاخرى بالاعلان عن السماح بالتعددية وحرية الرأي الاخر والحرية الشخصية وحرية الاعلام وطمأنة الموظفين والجيش على وظائفهم واعمالهم فعلت العكس تماما.
لهذا لم يكن غريبا بل انه كان منطقيا ان يقوم الجيش وجبهة التحرير بما قاما به للدفاع عن النفس.
فلماذا يسمحون وعن طريق الديمقراطية ان يتولى الحكم حزب لا يؤمن بالديمقراطية يحل محلهم في كل شيء ويمنع الحريات ويحرم الرأي الاخر ولا يسمح بالتعددية كما حصل في المانيا النازية حيث فاز الحزب النازي عن طريق الديمقراطية وحرم بقية الاحزاب ومنع الرأي الاخر.
فقد كان متوقعا لو ان جبهة الانقاذ استلمت الحكم ان تمنع بقية الاحزاب وتحرم الرأي الاخر تحل منتسبيها محل غيرهم من كبار الموظفين وقيادات الجيش والوظائف القضائية وتمنع غير المنتسبين اليها من مجرد التفكير بالوصول الى هذه المناصب.
لو طبقت المبادئ التي ننادي بها في جميع الول بما فيها الاردن فمعنى ذلك انه لا يمكن لحزب واحد ان يفوز باكثر من 25% من مقاعد البرلمان ولا بد له ان يأتلف مع حزب اخر او احزاب اخرى ليتمكن من الحكم وبهذا يطمئن الجميع ولا تحصل هزة او زلزال سياسي في البلد بل ينتقل الحكم بطريقة سلمية سهلة الى جيل جديد يطبق المبادئ التي يؤمن بها ولا تكون هناك امكانية الى حكم الحزب الواحد او منع الرأي الاخر او الاعتداء على الحريات الشخصية وحرية الاعلام خاصة وان هذه المبادئ التي ننادي بها تجعل الجيش حاميا لهذه المبادئ التي تنادي بها الاحزاب.
لقد احسن الاخوان المسلمون في الاردن صنعا عندما لم يرشحوا في انتخابات سابقة الا حوالي ثلث المقاعد مع انه كان بامكانهم ان يرشحوا لعدد اكبر من المقاعد. وكان فوزهم مضمونا لاكثر من 50% من المقاعد لو ارادوا, ولكنهم طبقوا هذه القواعد اراديا دون تقنين واثبتوا انهم واقعيين وسياسيين من الطراز الاول عندما لم يتعجلوا تولي الحكم باغلبية مطلقة وتركوا الطريق الديمقراطي سالكا, وحبذا لو حذت جبهة الانقاذ في الجزائر حذوهم ولو فعلت لما وصلت الامور هناك الى ما وصلت اليه وعلى كل فالعاقل من يتعظ بغيره.
من الممكن تطبيق هذه المبادئ لمدة خمسين عاما او اقل او اكثر قليلا حتى يتدرب الشعب على الديمقراطية الصحيحة التي تمنع حكم الحزب الاوحد وتعطي الجميع حرية الرأي والقول وتسمح بالرأي الاخر, وبعد هذه المدة يمكن اعادة النظر في هذه المبادئ بالغاء نسبة الـ25% المسموح بها كحد اعلى للحزب الواحد لان الشعب عندئذ يكون قد تمرس بالديمقراطية وتعود عليها ولا يمكن ان يسمح بدكتاتورية الحزب الواحد والرأي الاوحد.
المقال سبق وان نشر في (الراي) عام 1992 وقد اجتهدت انه ربما يكون من المناسب نشرة مره اخرى هذه الأيام.