طغت خلال الأيام الماضية هواجس وشكوك لدى النواب بشأن مصير المجلس الحالي، تحت وطأة الهاجس المزمن بالحل، لكن هذه المرّة عبر المحكمة الدستورية التي تأخرت في البتّ في الاعتراض المرفوع بعدم دستورية قانون الانتخاب؛ ما يعني بطلان الانتخابات وحل المجلس الحالي، كما حدث مع مجلس الشعب المصري الأخير!
عزّز هذه الهواجس ما نُقل عن الوزير الأسبق د. مروان المعشّر من توقعات بألا يستمر المجلس الحالي، وتقارير إعلامية تسير في الاتجاه نفسه. وهي بالضرورة هواجس غير مطروحة، وليست موضع تفكير في "أروقة القرار"، بل لا تتوافر على سياق منطقي يسندها!
على صعيد الطرح الإصلاحي، فإنّنا نتمنّى أن تكون هذه الهواجس صحيحة، وأن تكون التوقعات في محلها، إذا كانت ستؤدي إلى انتخابات جديدة، تقوم على قانون انتخاب توافقي يفتح البرلمان أمام تمثيل حقيقي ومعتبر للقوى السياسية المختلفة، ويؤدي إلى تحسين صورة هذه المؤسسة، وأن تقوم بعمل جسر كبير يربط الدولة بالشارع، ويعيد الثقة بالعملية السياسية التي تعاني من الفتور وضعف المصداقية.
لكن الحال غير ذلك، لأنّ هذه الهواجس تفترض أن يكون التفكير في ذلك ناجما عن التوافق مع المعارضة والقوى السياسية على إعادة إدماجها في اللعبة السياسية، والتفاهم على بنود قانون الانتخاب الجديد، والقواعد المحدّدة للعبة السياسية الجديدة.
على النقيض من ذلك، تبدو المعطيات الراهنة والرسائل الصادرة عن دوائر القرار في الاتجاه المعاكس، مع تداعيات المشهد المصري. إذ تشهد العلاقة بين الدولة وجماعة الإخوان المسلمين مزيداً من التأزيم والتصعيد المتبادلين، وتنغلق آفاق الحوار السياسي، بل وتلوّح الحكومة بسيناريوهات تطاول الوجود القانوني للجماعة.
ما هو أهم من ذلك يكمن في أنّ أي تفكير في حلّ مجلس النواب يعني تأكيداً لما تقوله المعارضة السياسية، الأمر الذي يتناقض بالتأكيد مع جوهر الخطاب الرسمي، سياسياً وإعلامياًَ، الموجّه للخارج بدرجة رئيسة، والذي يستدعي ما يحدث في المنطقة للقول بأنّ المسار الأردني هو السليم والصحيح. وربما النتيجة الرئيسة ستتمثّل في رفض المجلس لأي نقاش قادم قريب لقانون الانتخاب، لإبعاد شبح الحل عن قبة المجلس!
المفارقة أنّ حديث الحكومة عن تعديل قانون الانتخاب الحالي لا يتجاوز، في أحسن الأحوال، زيادة صوت ضمن المحافظة، وتحسين التمثيل في بعض الدوائر الانتخابية وتعديلها؛ أي إنّ المخرجات لن تختلف نوعياً عن مخرجات القانون الحالي، وربما تعود نسبة كبيرة من النواب الحاليين والسابقين. فما هي الجدوى، إذن، من أي تفكير في مثل هذه الخطوة، إلاّ إذا كان المقصود الحكم بـ"الإعدام" على المؤسسة البرلمانية الأردنية، وتوجيه ضربة قاضية لها؟!
إذا استبعدنا هذه الهواجس، فإنّ هنالك مزاجاً نيابياً غاضباً، يرى أنّ هذه الإشاعات والتسريبات والتلويحات لم تأتِ من فراغ، بل هي مقصودة، ولها وظيفتها ورسالتها في ترهيب المجلس وإضعافه، والضغط عليه لتمرير السياسات الحكومية، بل وربما -وهذا الأهم- التمديد لعمر الحكومة إلى ما بعد الدورة العادية المقبلة المتوقعة، بخلاف رغبة "نواب مشاكسين" في الإطاحة بهذه الحكومة مع الدورة العادية المقبلة، بخاصة أنّ رصيد الحكومة النيابية اليوم هو إمّا على الحافة أو أقل من ذلك!
بيت القصيد هو أنّ استمرار الهواجس النيابية والتسريبات والتكهنات، والدوران في الحلقة المفرغة ذاتها، يعني شيئاً واحداً، هو أنّنا لم نخرج من أتون الأزمة السياسية، ولم ننجح في عبور المرحلة الانتقالية؛ وأنّ اللعبة السياسية تفتقد إلى الشرعية التوافقية، ما يجعل من أيّ أزمة اقتصادية أو إقليمية أو مجتمعية خطراً محدقاً لهشاشة البيت الداخلي. وهذا هو الهاجس الحقيقي الذي، وللأسف، نحاول التهرّب منه!
m.aburumman@alghad.jo
الغد