قبل سنوات كان زوار دمشق من الاردنيين يتندرون على السير في شوارع الشام ويقولون أنه (طعة وقايمة) فلا أحترام للأشارات الضوئية أو المرورية ولا لأولويات المرور والوقوف، لدرجة أننا كنا لا نجرؤ على قيادة سيارة في دمشق.
وكنا نتفاخر بصرامة قواعد السير في عمان ومستوى أحترامها من قبل غالبية الناس.
من الناحية النظرية يفترض أن يتقدم ويتنامى أحترام النظام والقانون باعتبار أن الصغار يتعلمون من الكبار والادارة تتطور وتكتسب خبرات تراكمية، والمجتمع يتعلم الجديد مع الايام.
ما يحدث في بلدنا عكس قوانين الطبيعة فبدل أن نكتسب خبرات في أحترام أنظمة السير أصبحنا نتفنن في مخالفتها، وبدل أن يحترم بعضنا بعضا في الشوارع أصبحنا نتشاتم على أولويات المرور وكثيرون يفتحون أبواب السيارات ويشتبكون في عراك بالايدي لأن أحدهم زاحم بسيارته ليتجاوز سيارة أخرى دون وجه حق، وكثيرا ما ينتهي الامر في المركز الامني وتوسطات للمصالحة و(أخزي الشيطان).
في شوارعنا سيارات أكثر فخامة وشباب محترف (سواقة) ولكنهم يعبرون عن الفخامة والاحتراف (بالتشحيط) بعد منتصف الليل، وعلى سبيل المثال ففي حينا شاب يبدأ التشحيط الساعة الثانية بعد منتصف الليل يوميا ويبدو أنه ثقب عادم السيارة ليصبح صوتها مثل هدير طائرة، لدرجة أن جارا لنا تمنى لو يطلق النار على أطارات سيارته ليريحنا منه.
أصبح الشاطر و(الحريف) في عمان هو من يتجاوز الاشارة الضوئية الحمراء، والجبان المعقد هو من يسير بالسرعة المقررة ويحترم الاشارات الضوئية بدقة، غير أن أكثر ما يثير الحنق أن نقف صفوفا على أشارة ضوئية فيأتي من يتجاوز الصفوف من اليمين أو اليسار ليدخل في المقدمة بطريقة (المزاحمة)، تماما كما لو كنت تقف في طابور لشراء خبز فيأتي أحدهم (على راسه ريشة) ويتقدم الى أول الصف (عينك عينك) وأقدر (أفتح ثمك).
الوقوف الممنوع أصبح هو القاعدة والمسموح هو الاستثناء وحتى أبواب المساجد يهرع مصلون كثيرون في الاوقات الخمس وبحجة الصلاة يركنون سياراتهم مزدوجة ويخلقون أزمة مرور، وكأن الصلاة تمنحهم أستثناء قانونيا وتبيح لهم تعطيل الاخرين وارباك السير، أما بائعو الخضار فلا يحلو لهم البيع الا باحتلال ألارصفة وجزء من الشارع أمام المساجد وفي نهاية اليوم يتركون خلفهم أكوام النفايات أمام بيوت الله !!.
أرصفة الشوارع الرئيسية في عمان أصبحت ساحات لمعارض بيع السيارات وحيثما وجد رصيف على حافة أرض خالية من البناء تجد سيارة وعليها لوحة ( للبيع )، وحين تتصل هاتفيا ستجد أنها ملك لتاجر سيارات، بمعنى أن تجار السيارات وزعوا سياراتهم على الشوارع بعد أن ضاقت بها ساحات محلاتهم أو أنهم يريدون أيهام المشترين أن السيارة معروضة من المالك مباشرة، وبالمناسبة فان وقوف السيارة على الرصيف مخالف لقانون السير، كما أمانة عمان لم تتنبه بعد الى أن لافتة (سيارة للبيع) تعتبر لوحة أعلانية خاضعة للرسوم، ومثلما تتقاضى الامانة من شركة الاتصالات بدل وضع أعمدة الهاتف على جانب الشارع يفترض أن تتقاضى بدل (أرضية) عن سيارات تصطف أياما وأيام وهي معروضة للبيع ؟
بالنتيجة يتقدم قانون السير ويتنامى أحترامه في دول كثيرة بينما نتراجع على مستوى الحس الشعبي بضرورة أحترام القانون وعلى مستوى تنفيذ أحكام القانون في الشارع والاسوأ من ذلك كله أننا نشاهد كل يوم من يتطاول على رجال السير ويبدأ في استفزازهم لمجرد تحرير مخالفة بحقه، وقد شاهدت بنفسي كيف بدأ شاب يصرخ في وجه دورية السير عند ضبطه يسير بعكس اتجاه السير مدعيا أن الدولة تركت الفساد في البلد و(وقفت على مخالفته) وأخذ يصيح بصوت مرتفع زاعما أن الحكومة تريد تسديد عجز الميزانية من مخالفات السير.. الخ.
لما تقدم الاخرون وترجعنا؟ من يجيب؟
m.sbaihi@hotmail.com
الرأي