"الديمقراطية أبعد من التصويت في صناديق الأقتراع"
11-08-2013 07:57 PM
يشكل غياب الديمقراطية عنوانا عربياً للحياة السياسية العربية.وتختلف أوضاع الديمقراطية وحقوق الانسان من بلد عربي إلى آخر.
وشهدت بعض الدول العربية تحقيق بعض الخطوات الديمقراطية ،ولا سيما على صعيد اتساع بعض الحريات العامة اتساعا نسبياً.ولكنها تبقى أقرب إلى سياسة تنتهجها الأنظمة الحاكمة لامتصاص النقمة،وتنفيس الاحتقان منها إلى خطوات في مشروع ديمقراطي حقيقي .ويتبدى غياب الديمقراطية كأوضح ما يكون في غياب التداول على السلطة.لذا فإن رصد أفق التغيير الديمقراطي في الوطن العربي يتعلق إلى حد كبير بمصير السلطة .هل سيستمر احتكارها؟ أم سيبدأ التداول عليها؟ وهل سيتنازل الحكام طوعاً أم إنهم سيجبرون على التنازل؟وهل تغيير السلطة أيضاً يعني قيام الديمقراطية ؟.
إن أفضل طريق لتحقيق الديمقراطية هو التحول الديمقراطي السلمي ،وهو الخيار الضروري رغم الصعوبات التي تعترضه.وهو عملية تهدف إلى أبعد وأشمل بكثير من تغيير الحاكم،ونتطلع إلى تحقيق مشروع ديمقراطي سياسي واقتصادي واجتماعي متكامل. يستند إلى خلفية من النضالات الديمقراطية،ونابع من حاجة الجماهير العربية،وتقتضيه بلدانها،الذي يتفق مع ما أكدته تجارب الشعوب من أن الديمقراطية ليست هبة تُعطى بقرار الزعيم أو عملاً خيرياً يقدمه الحاكم لشعبه.
ويواجه خيار التحول الديمقراطي السلمي صعوبات كثيرة.
فعلى الصعيد الداخلي تواجه حركة النضال الديمقراطي في الأقطار العربية قمع السلطات الحاكمة ،وتعاني ذاتياً من الضعف وفقدان العمق الجماهيري اللازم.
وعلى الصعيد الخارجي تُواجه هذه الحركة بازدواجية الموقف الأمريكي –الغربي الذي يزعم الحرص على الديمقراطية،من دون أن يكف عن دعم الأنظمة الإستبدادية التي تخدم مصالحه في المنطقة.
وظل الموقف الأمريكي ضد أي مشروع نهضوي حقيقي في المنطقة العربية ، وما زال حتى اليوم يتعامل بالعقلية الاستعمارية المعروفة .وهذا ما يجعله الخيار الأصعب الذي يحتاج إلى نضال شاق وطويل الأمد على مختلف الجبهات ،ومن خلال إئتلاف واسع لقوى المجتمع,وإن أخطر ما تصطدم به عملية التحويل الديمقراطي هو ذلك المتمثل في انعدام الثقافة الديمقراطية ،وغياب الوعي الديمقراطي، نتيجة عقود طويلة من سياسات القمع والبطش التي كرّست قيّم الاستبداد والتسلط،وغياب القانون ،وفنون الرياء والنفاق ونوازع الأنانية،وانعدام الحس الجماعي ،وغذّت بقوة الاكتفاء بالتفرج على ما يجري،والبعد عن الشأن العام .
ولا مناص من القول إننا نواجه وضعاً مزرياً يستدعي الاسراع في خوض النضال على الجبهة السياسية ،وتفعيل النضال الديمقراطي على الجبهة الثقافية والتربوية والاجتماعية بغرس قيم الديمقراطية،وتحويل الثقافة الديمقراطية إلى جزء أساسي من الثقافة الوطنية والوعي الوطني.
يعتقد البعض أن العودة إلى تراثنا العربي الاسلامي كافية لاستلهام أفكار الشورى والعدل والمساواة ،ويعتقد آخرون أن منظومة القيم الغربية يمكن أن تقدم لنا الديمقراطية التي نحتاجها بكل سهولة ويسر ،ذلك لأن الوعي الديمقراطي ليس موجودا بشكل جاهز في أي ثقافة وعند أي مجتمع وشعب.إنه يتقدم بقدر ماتنجح النخب السياسية والثقافية في بناء هذا الوعي أي في إعادة التفكير في مبادىء الديمقراطية ومقتضياتها ،على ضوء السياقات التاريخية والثقافية الخاصة بكل مجتمع.
إن الاعتراض هنا ليس على توظيف الفكر الديمقراطي الانساني ،وإنما على إفراغ عملية البناء من مضامينها المعرفية والفكرية وتحويلها إلى عملية تقليد مشوّهة، تتوهم البناء ولكنها لا تحققه.
إن صوغ المشروع النهضوي العربي الجديد ،هو اليوم المهمة التاريخية الكبرى التي ينبغي أن تتضافر الجهود المخلصة لتحقيقها .وإن هذه المهمة تستلزم مراجعة نقدية شاملة لكل تيارات هذاالمشروع ،من قومية وماركسية وإسلامية وديمقراطية وإنهاء الصراع بين مكوناته ،يقوم على تكامل أهداف المشروع النهضوي العربي الجديد والتنوع في أدواته وصيغه ووسائله وسياساته بتنوع قواه وتياراته.
من هنا فإن أسئلة كثيرة لابد أن تثار لعل أبرزها :من هي المرجعية السياسية المؤهلة لحمل هذا المشروع التاريخي الكبير ؟ هل هي قوة سياسية واحدة أم مجموع قوى متعددة؟.
إن المرجعية السياسية يجب أن تكون بحجم المشروع نفسه.وعلى هذا فإن كل القوى السياسية العربية المؤمنة به قومية كانت أو إسلامية أو يسارية أو غيرها معنية بتكوين هذه المرجعية .
على أن تأسيس المرجعية وتوحيدها لا يعني مصادرة حق الاختلاف السياسي ، ذلك أن المرجعية العربية الاسلامية بغناها وتنوعها وانفتاحها وانسانيتها ،مجال خصب وواسع للاجتهاد ،ولا سيما عندما يتعلق هذا الاجتهاد بابتكار آليات الانتقال من الفكر إلى العمل ورسم الخطط ووضع البرامج.
وهذه المرجعية ليست شأناً نخيوياً ولا أداة لإعادة انتاج الوضع القائم ،ولكنها تحرير للسياسة من الاحتكار الرسمي،وتفعيلها كممارسة شعبية اجتماعية قادرة على التأثير والتغيير من خلال مأسسة ودمقرطة العمل السياسي وتحريره من تقاليد الزعامة الفردية ،ومن التبعية،وتعميق خيار النضال الوطني الديمقراطي ،وتطبيق مبدأ التداول للسلطة وفق معايير الكفاءة والنزاهة.
ذلك أن مشروعا نهضوياًعربياً يحتاج قادة استثنائيين يمتلكون مقومات الشخصية القيادية الشعبية ،ويتمتعون بقوة الخبرة وعمق المعرفة ،ويجسدون فكراً وسلوك الإيمان الحي بالقضية والقدرة المتجددة على التضحية ،ما يجعلهم قدوة حقيقية للجماهير .