يضيق الخناق يوما بعد يوم على الجنرالات الذين انقلبوا على الإرادة الشعبية، وهم يسيرون من أزمة إلى أزمة ومن مستنقع إلى مستنقع، ومن فضيحة إلى فضيحة، وأخر هذه الفضائح هي قيام طائرة إسرائيلية بدون طيار على انتهاك الأجواء المصرية في شبه جزيرة سيناء وتنفيذ غارة جوية أودت بحياة 4 مصريين على ارض مصرية وهو الهجوم الإسرائيلي الأول من نوعه منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979.
وسائل الإعلام الإسرائيلية كشفت ان الغارة الجوية الإسرائيلية تمت بتنسيق كامل مع قادة الجيش المصري، وهو ما أعلنته جريدة جيروزالم بوست والقناة العاشرة الإسرائيلية، كما اتهم بيان صدر عن جماعة "انصار بيت المقدس " الجيش المصري بالتنسيق والتعاون مع الكيان الإسرائيلي وقالت الجماعة إن الطائرات المصرية كانت تحلق في المكان الذي تواجدت فيه مجموعة من 5 أشخاص، جميعهم من أبناء القبائل في سيناء، عندما كانوا يستعدون لنصب منصات لإطلاق الصواريخ على أهداف إسرائيلية، وان الطائرات المصرية اختفت لتظهر طائرة إسرائيلية في الأجواء وتباغت المجموعة بهجوم صاروخي أدى إلى مقتل 4 أفراد في حين نجا قائد المجموعة من الموت
هذه الهجوم الإسرائيلي أكدته 5 مصادر أمنية مصرية لوكالة رويترز للأنباء التي قالت إن "الهجوم نفذته إسرائيل" إلا أن القوات المسلحة المصرية نفت رسميا ذلك كما رفضت متحدثة باسم الجيش الإسرائيلي في القدس التعليق، وكأن هناك اتفاقا بين الطرفين على عدم الحديث عن الموضوع حتى يتم إيجاد "تخريجة" مناسبة وتسويقها وبيعها لوسائل الإعلام من خلال كتاب "التدخل السريع" وكهنة التزوير والتزييف.
لكن النفي الرسمي للجنرالات الانقلابيين في مصر تحول إلى "مصيبة عليهم" بفضل وسائل الإعلام الإسرائيلية السريعة والمتحفزة دائما للانقضاض على أي خبر أو قصة دون استئذان من رقيب، وسارعت إلى نشر التفاصيل في وقت قياسي الأمر الذي وضع الجنرالات الانقلابيين في "حيص بيص" وجعلهم يدورون حول انفسهم، لينتقلوا من التشكيك إلى التحقيق فالنفي واعتبار ما جرى "حادث" ثم "انفجار" مع إسناد الفعل إلى مجهول بالطبع إلا ان "رويترز" خرجت عن السياق ونقلت عن مصادر أمنية مصرية في سيناء ما نصه:"طائرة إسرائيلية ضربت الجهاديين المسلحين وقتلت أربعة بعد أن اكتشفت أنهم كانوا يعتزمون إطلاق صواريخ على إسرائيل، وان الطائرة الإسرائيلية رصدت المتشددين وهم يجهزون ثلاث منصات للصواريخ لضرب إسرائيل وأطلقت الطائرة صاروخا قتل رجلين ثم قتلت رجلين آخرين صعدا إلى منصات إطلاق الصواريخ بعد الضربة الأولى.
إذن هناك شهادات 5 مصادر أمنية مصرية في سيناء وشهود عيان وبيان المجموعة المسلحة وجميعهم يؤكدون ان الهجوم نفذته طائرة إسرائيلية وبتنسيق مع قادة الجيش المصري، وعلى الرغم من ذلك أصدر العقيد أحمد محمد علي، المتحدث باسم القوات المسلحة، بيانا قال فيه:"لا صحة شكلا وموضوعاً لوجود أية هجمات من الجانب الإسرائيلي داخل الأراضي المصرية كما أن الإدعاء بوجود تنسيق بين الجانبين المصري والإسرائيلي بهذا الشأن هو أمر عار تماماً من الصحة ويخالف العقل والمنطق، وان الحدود المصرية خط أحمر لم ولن يسمح بالمساس به".
لا ادري من الذي يخالف العقل والمنطق المتحدث باسم الجيش المصري أم وسائل الإعلام المصرية والشهود والمصادر الأمنية الخمسة، ولماذا لم يقدم هذا المتحدث رواية يمكن أن يعتد بها بدلا من التخبط ومحاولة البحث عن رواية.
الثابت أن الهجوم الجوي الإسرائيلي حقيقة ومقتل الأشخاص الأربعة حقيقة أيضا وانتهاك الطائرة الإسرائيلية للأجواء في سيناء حقيقة لا يمكن إخفاءها، إلا إذا كانت طائرة تابعة للجيش المصري هي التي نفذت الهجوم نيابة عن الإسرائيليين وهو ما نفاه قائد المجموعة التي تعرضت للهجوم لأنه اكد أن الطائرات المصرية أخلت المكان لصالح الطائرة الإسرائيلية وأهل سيناء وغزة يعرفون الطائرات الإسرائيلية جيدا.
المصيبة الكبرى هي نقل وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية عن مصدر امني رفيع قوله:"إن التفجيرات التي وقعت بمنطقة العجرة بين علامتى الحدود رقم 10 و11 جنوبى رفح عصر أمس كانت نتيجة استهداف طائرة أباتشي مصرية ترافقها طائرة أخرى طراز"جازيل " مجموعة جهادية مكونة من أربعة أفراد
كانت تحاول نصب منصة إطلاق صواريخ بالموقع مشيرا إلى أن شهود العيان أكدوا مشاهدتهم للطائرتين المصريتين .
وقال إن الطائر الأباتشى تعاملت مع الهدف وقتلت أربعة جهاديين كان بحوزتهم دراجة نارية، وانه بعد تمشيط المنطقة بمعرفة الجهات الفنية للقوات المسلحة تم ضبط منصة صواريخ بها عدد ثلاثة صواريخ كان يجرى إعدادها للإطلاق تجاه الأراضي المصرية.
وأشار المصدر إلى أنه تم إحاطة العملية بسرية تامة حفاظا على سريتها وتحرك القوات المشاركة فيها موضحا أن شهود عيان من سيناء تحققوا من الطائرات المصرية التي كانت تحلق فوق الحدود، ونفى ما رددته بعض الفضائيات ووكالات الأنباء والمواقع الاليكترونية عن اختراق إحدى الطائرات الإسرائيلية للمجال الجوى المصري، أو وجود أي تنسيقات بينها وبين الجيش المصرى في هذا الشأن مشيرا إلي أن المجال الجوى المصري مؤمن تماما ضد أي خروقات".
هذه الرواية متهالكة لأنها تأتي بعد 24 ساعة من الهجوم، وبعد تخبط عسكري مصري كبير، فقد كان الحديث عن تفجيرات مجهولة ثم الحديث عن تمشيط المنطقة وبعد ذلك تبني الهجوم، ويبدو أن "الحبكة" هي ما تفتق عنه ذهن جنرالات الانقلاب، فقاموا بتأليف قصة لا معنى لها لتبرئة أنفسهم من تهمة التقاعس والإهمال وعدم القدرة على حماية حدود مصر، حتى لو أدى ذلك إلى تبرئة إسرائيل من هذا الهجوم.
هذه الرواية البائسة من جنرالات الانقلاب البائسين تعني أن قيادة المؤسسة العسكرية المصرية المشغولة بالعمل السياسي والسيطرة على السلطة مستعدة لتقديم كل التنازلات لإسرائيل مقابل السيطرة على مقاليد الحكم في مصر.
مصيبة هؤلاء الجنرالات أنهم يعتبرون المظاهرات في "رابعة العدوية والنهضة" خطر على الأمن القومي،ولكنهم لا يعتبرون إسرائيل خطرا على مصر وأمنها، فالعقيدة التي يتبناها السيسي والبرادعي هي أن "الإرهاب الإسلامي" هو العدو وان إسرائيل ليست عدوا بل شريكا في الحرب مع الإرهاب، وهو ما ينفذ فعلا على الأرض عبر التعاون والتنسيق الدائم.
الجنرالات الانقلابين والفلول من الليبراليين واليساريين خطر داهم على مصر وأمنها وعلى الأمة العربية كلها، واستمرار وجودهم على رأس السلطة في مصر لا يعني سوى إهدار كرامة الوطن والمواطن والعودة إلى المرحلة الاستعمارية بوجوه وأسماء عربية.
سيناء كشفت المستور وفضحت الجنرالات الانقلابيين ومهما حاول هؤلاء الانقلابيين التغطية على أفعالهم السوداء فانه لا يمكن إخفاء دورهم الخطر الدور في حاضر مسر ومستقبلها وهذا ما يدفع المصريين إلى الإصرار على رحليهم.
hijjawis@yahoo.com