ماذا يعرّف "الإسلامي" نفسه؟ من هو المواطن الإسلامي ومن هو غير الإسلامي؟ ما الدلالة السياسية أو البرامجية التي تُفهم عند إطلاق عبارات ومصطلحات من قبيل "التيار الإسلامي"، أو "الإخوان المسلمين"؟
الأسئلة ليست سهلة، والإجابات تكاد تكون مستحيلة! فالمسلمون المتدينون يتطابقون في رؤيتهم لمجموعة من المسائل والمطالبات والمواقف، ولكن هذا التطابق لا ينشئ منهم حزبا أو تيارا سياسيا أو اجتماعيا! كثير من الشخصيات الإسلامية والمتدينين من غير الإخوان لا يختلفون عنهم في رؤيتهم لتطبيق الشريعة والالتزام بها والدعوة إليها، ولكنهم لا يعتبرون أنفسهم سياسيا مع الإخوان المسلمين، حتى عندما يتفقون معهم في المواقف التشريعية والسياسية المتعلقة بالإسلام وتطبيقه؛ ولا أعتقد أن أحدا من الإخوان المسلمين يقلل من شأن أو ينفي أو يشكك في "إسلامية" هؤلاء!
وعلى المستوى الافتراضي الواقعي؛ إذا كان مواطن متدين ملتزم بالإسلام وتعاليمه وشعائره والدعوة إليه وإلى تطبيق الشريعة الإسلامية، ولكنه يعارض دور الدولة في تنظيم الأسواق والاقتصاد، إذ يرى أن الأسواق تنظم نفسها بنفسها، فيما مواطن آخر متدين وملتزم بالإسلام نفسه، ولكنه يدعو ويطالب بالدور الاقتصادي للدولة، ويدعو إلى أن تكون فئة من المؤسسات والشركات والموارد ملكا للدولة أو حتى جميعها، فإن كليهما إسلاميان، متفقان في كل شيء متعلق بالدين وفهمه ومصادره وتطبيقه، ولكنهما مختلفان أيضا الى درجة التناقض، ويمكن أن يخوضا ضد بعضهما بعضا صراعا سياسيا طاحنا ومعقدا، ولا يمكن أن يتفقا في برنامج سياسي أو اقتصادي، أو حول قانون أو تشريع. فالأول في نظر الثاني رأسمالي منحاز إلى الأغنياء ضد الفقراء، ويساهم في تكوين طبقة سياسية من الأغنياء الذين يتحكمون بمصائر الناس والبلاد ويستغلونهم. والثاني في نظر الأول، يعطل الحياة الاقتصادية والإبداع والمبادرات الفردية، ويكافئ الكسالى ويحرم النشطين والمبدعين ويهدر الموارد العامة في غير استحقاقها، ويجمع الضرائب من المجدّين والعاملين ليوزعها على من لا يستحقها!
المسيحي أو غير المسلم المؤيد للإخوان المسلمين، والمشارك في حزب جبهة العمل الإسلامي، هل هو إسلامي؟ والإسلامي (المتدين) المعارض للإخوان المسلمين ولحزب جبهة العمل الإسلامي (ما الفرق بينهما؟) هل هو غير إسلامي؟ والمواطن غير المسلم الذي يحمل جنسية الدولة الإسلامية ويلتزم بدستورها الذي يعتبر الإسلام دين الدولة، هل هو إسلامي؟ والمسلم أو الأخ المسلم الذي يحمل جنسية إسرائيلية (ينص دستورها أو سوف ينص على أن دين الدولة هو اليهودية) أو أوروبية أو أميركية، هل هو إسلامي؟ ما الفرق بين الإخوان المسلمين وغيرهم من المسلمين ممن يحملون جنسيات أميركية وأوروبية، وهم عدد كبير، وبين غيرهم من المواطنين الأوروبيين والغربيين، وهم جميعا ملتزمون بدستور وقوانين وأنظمة بلادهم والانتماء إليها والدفاع عنها؟ هؤلاء الإخوان المسلمون الأميركيون أو الأوروبيون ملتزمون تجاه بلادهم التي يحملون جنسيتها بالدفاع عنها والمشاركة في تنميتها والالتزام بقوانينها؛ وفي المقابل فإن المسيحيين في الدول العربية ملتزمون أيضا بالدفاع عن بلادهم وحمايتها واحترام قوانينها، فأيهم الإسلامي وأيهم غير الإسلامي؟
*ملاحظة: سبق أن نشرت مقالا في "الغد"، بتاريخ 6/11/2012، بعنوان "إسلاميون أم متدينون؟"، وهو مرتبط ارتباطا وثيقا بهذا المقال. ولتجنب التكرار، أكتفي بالإشارة إليه.
الغد