المسافة أقل من كبسة واحدة على لوحة الاحرف في الكمبيوتر واقل من ملليمترات , ولكنها عالم و مسافة شاسعة من الحياة في الفروق بين التفكير والتكفير , ومكان حرف الكاف هو الفاصل بين الردة والطريق الصحيح وبين إعمال العقل للتقدم كما امر الله وبين اغراق العقل في غياهب الجُبّ , وما يجري منذ عامين ونيّف في العالم العربي عموما والاردن على وجه الخصوص هو محاولة جريئة لترتيب وضع الكاف وتحديد مكانها الصحيح بين الاحرف الاخرى لتشكيل كلمة التفكير وسط عالم وحشود من التكفير , فكل آخر كافر وكل مخالف كافر وكل معارض كافر , حتى بعد تبادل الكراسي بين السلطة والمعارضة في اقطار شقيقة , تبدلت الوجوه وبقيت المصطلحات ثابتة .
ولانضاج ودعم وجود الكاف في مكانه الصحيح , وضمان عدم انزياحه واستباقه لحرف الفاء , يجب ان نحدد موقفنا او نثبّت تعريفنا لـ “ الدالات الخمسة “ الدم , الدولة , الديمقراطية , الدين والدستور “ وهي المنظومة القيمية الضامنة للعمل السياسي الصالح والحكم الرشيد , ولا بديل من التوافق على معاني ومقاصد كل حروف الدال حتى يتحقق مفهوم التمكين للمواطن والفرد ودون التمكين تبقى العلاقات بين المفاهيم نفسها وبين الدولة والمواطن وبين القوى ذاتها علاقة محكومة بحد الحرابة , فإما نفي الاخر او صلبه او قطع اطرافه .
الدم في الاردن ما زال على حُرمته في ذهن الناس والدولة على حد سواء على المستوى السياسي , وان كانت اجراءات العنف المجتمعي قد ازهقت الكثير من الارواح وآذت مشاهد الجرائم وطبائعها الجديدة خوف الاردنيين من دخولنا بوابة الدم عن طريق العنف والغضب فمؤشرات ارتفاع التسليح الذاتي في الاردن وصلت الى مراتب مقلقة, فما الذي يدفع الاردنيين الى شراء السلاح بهذا الحجم وما الذي يدفعهم الى تهريبه لاوطانهم بهذه الدرجة الكبيرة , وكلمات مثل العادات وطبيعة المجتمع لا تكفي لوقف الخطر الذي نراه كل يوم .
الدولة , بدورها ليست موضع خلاف ولكنها تحت القصف منذ بداية الربيع العربي وتحت ارهاب الليبرالية المتوحشة قبل ذلك بسنوات خمس على الاقل , وتحت تهديد اسقاط الدولة بشعار اصلاح مؤسسات الدولة , فالربيع اعاد مصطلح الاسقاط وسلوكه , والليبرالية المتوجشة استنبطت ان الدولة تُدار بعقلية الشركات , فسقطت موانع التحريم عن العدالة الاجتماعية , وسحسلت الدولة في فخ غياب العدالة الاجتماعية وانتجت تهميشا وتهشيما لمؤسساتها ومحافظاتها وسحسلت الاصوات المنادية بالاصلاح في فخ تدمير الدولة بدل اصلاح مؤسساتها , ولا يكون إصلاح أى مؤسسة من خارجها، إلا إذا كانت النية تدميرها، وإنما يكون الإصلاح من داخلها بوصول الرؤية الإصلاحية المدروسة إليها و مؤسسات الدولة ، رغماً عن فساد بعض القائمين عليها، حفظت للبلد بقاءه فى مواجهة مؤامرات الخارج وانتهازية الساسة الذين يريدون احراق البلد إن لم تكن طيّعة فى أيديهم , ومن يرد أن يناصر قطاعاً من المجتمع ضد مؤسسات الدولة ، حتى لو ظن أنه يفعل ذلك لغرض نبيل، فعليه أن يعلم أن هزيمة مؤسسات الدولة ضد أي قطاع من قطاعات المجتمع سيعني إما أن ينعزل هذا الجزء عن بقية المجتمع كما في حالة جنوب لبنان ، أو أن تفشل الدولة كما الصومال، وهناك من يسير نحو نصرة اطرافا وليست طرفا واحدا على حساب الدولة , وعلى حساب مؤسساتها التي طالها التهشيم , وصار الاضراب لعبة سمجة تُمارس على ابواب المؤسسات اذا غضبت مراسل او مدير, ووقعت كل المؤسسات فريسة الاشاعة بالفساد والفساد نفسه لخلخلة الهيبة التي هي ضمانة حماية الدم وضمانة الوصول الآمن للديمقراطية وصون دستور يكون حصيلة توافق الاردنيين وعدم احتكار احد لتمثيل الله على الارض .
الدولة دون هيبة ليست دولة والهيبة الآن سؤال اجباري يجب ان تُجيب عليه كل اركان ومؤسسات الدولة , ومجددا الهيبة ليست هراوة وان كانت الهراوة جزء من هيبة الدولة اذا كانت الهراوة ملتزمة بالقانون وتعمل تحت إمرة القانون لا فوقه .
omarkallab@yahoo.com
الدستور