كعك وبيض .. ومعدلات فلكية تجعلنا في انتظار "نوبل"
جهاد المنسي
07-08-2013 03:47 AM
لا أعرف سبب حنيني المفاجئ لأيام المدرسة الابتدائية والإعدادية على وجه التحديد، ولا أعرف سبب استذكاري الدائم للكعك والبيض الذي كان ينادي عليه البائع عند باب المدرسة كل صباح وظهر.
استذكرت المدرسة والكعك والبيض وأنا أطالع نتائج امتحان الثانوية العامة "التوجيهي"، والمعدلات الفلكية التي حصل عليها طلبة، وتفوق ما كان يحصل عليه أبناء جيلي.
هذه الذكريات أعادتي إلى الوراء ربما 30 سنة أو أقل. وقتها، كانت الحياة أبسط، والناس أنقى، والازدحام أقل، والمياه والكهرباء أقل تكلفة، والفواكه والخضراوات بدون مدعمات، والعقول أكثر صفاء، والجلسات الرمضانية أكثر رونقا، والأصحاب أقل تملقا وأكثر مصداقية، والناس أكثر بساطة، والفقراء أقل عددا.
وقت ذاك، كان الناس أكثر مودة ورحمة، وكان مذاق "كرابيج حلب" و"أصابع زينب" أكثر جاذبية، وأغاني فيروز أكثر عذوبة ونقاء، وبنات الحارة أقل تعقيدا ومطالعة للموضة.
استذكرت وأنا أطالع قوائم الأوائل على المملكة في الثانونة العامة، والمعدلات الفلكية الأسطورية التي حصل عليها البعض، سنوات ليست بعيدة؛ عندما كان الأول/ى على المملكة لا يتجاوز معدله/ها الـ 98 % وبضعة أعشار، وعدد المتفوقين الحاصلين على معدل 90 % محدودا جدا. واستذكرت كم كنا نتعب للحصول على علامة مرتفعة.
سألت نفسي: هل كان جيلي ومن سبقه ومن سبقه، ومن لحقه ومن لحقه، أغبياء إلى حد عدم قدرتهم على اختراق حاجز الـ98 %؟ وهل كنا نفتقد للذكاء المطلوب؟ أم كان أساتذتنا يجهلون أصول التدريس الحديثة؟! أم أن وزارة التربية والتعليم كانت مقصرة تجاهنا، فلم تكن تهيئ لنا الجو المناسب والمباحث المناسبة؟ أم أن أهلنا كانوا غير مكترثين ويتحملون مسؤولية ما حصل لنا؟
وأنأ أتابع على مر 5 سنوات خلت، وأشاهد علامات فلكية، بعضها يصدق وبعضها الآخر كان يأتي لجيلي في الأحلام، بت على قناعة تامة بأننا خلال السنوات العشر المقبلة سنحصل على جوائز نوبل في الكيمياء والطب والفيزياء، وكل فروع الجائزة العلمية. بل ويمكن أن نحصل على جائزة "الأوسكار" في الإخراج؛ فنحن نمتلك عباقرة، ومبدعين. يكفي أن نعرف أن عدد الطلبة الذين حصلوا على معدل فوق الـ95 % هذا العام يقدر بـ4000 طالب وطالبة، وفق ما قاله وزير التعليم العالي، هل تصدقون ذلك؟! نعم، أربعة آلاف طالب وطالبة حصلوا على معدل يفوق 95 %! أليس من حقي دعوتكم لانتظار عباقرة وعلماء وجوائز نوبل تنهال علينا في السنوات العشر المقبلة؟ ليس هذا فحسب، بل إنني أعتقد أن كل مشاكل العالم قد نساهم لاحقا في حلها.
رفقا بنا، رفقا بعقولنا! لنعترف أننا أمام مشكلة في امتحان "التوجيهي"؛ لنعترف أننا لم نعد قادرين على ضبط امتحان الشهادة الثانوية العامة بنفس الكفاءة التي كنا نتعامل بها معه (ضبطا وربطا) في السابق.
أذكر سابقا أن أبناء المغتربين في دول الخليج عندما كانوا يحلون بيننا صيفا، كنا نسمع منهم عن علامات فلكية يحصلون عليها، حتى إن بعضهم كان يحصل على معدل 99 % وما فوق في الثانوية، ومع ذلك كان أهلنا وأساتذتنا ومدراؤنا، وحتى جامعاتنا، لا يعترفون بالعلامات الفلكية، وكان الجميع يقر بتدنى مستوى الامتحان عندهم، وتميزه عندنا.
اليوم، هل أصبحنا مثل أولئك القوم، أم أن امتحان الشهادة الثانوية فقد قيمته، فنزعنا عنه الرهبة والخوف، وبات الامتحان مشاعا لكل من هب ودب؛ فاخترع المتطفلون على الامتحان وسائل لم تعد وزارة التربية ولا المراقبون قادرين على لجمها، وباتت قاعات الامتحان في بعض القرى والمدن مشاعا وأهالي طلبة يسرحون ويمرحون بها غشا بالإكراه؟ وما الغش عبر الـ"واتس أب"، وعبر مكبرات الصوت واقتحام القاعات، عنا ببعيد.
رفقا بالتوجيهي.. بعقولنا.. بأطفالنا... فالنتائج وما حملته من علامات مبهرة ربما تكون دليلا إضافيا على وجود خلل يتوجب الوقوف عنده.
الغد