الاسواق المالية .. نحو منزلق جديد ..
المحامي غسان معمر
12-01-2008 02:00 AM
بات الاهتمام باسواق المال يشهد مزيدا من الاقبال رغم النكسة الكبيرة التي شهدتها تلك الاسواق العام الماضي سواء في الاردن أو في معظم الاقطار العربية. والملفت في هذا الاهتمام انه لم يعد حالة قائمة بحد ذاتها ، بل بات رهن اوضاع تشهدها قطاعات اخرى ، تلوذ اليه رؤوس الاموال كلما خفتت قوة القطاعات الاخرى في استقطاب المستثمرين اليها وترتد عنه كلما اخذ بالانكماش والتراجع.وقد اخذت قوة الجذب الاستثماري تتوزع على قطاعين رئيسيين تمثل الاول في السوق العقاري حيث بلغ حجم النشاط فيه عشرات المليارات في فترة زمنية قياسية ، حتى استقر على معدلات بات من الصعب تجاوزها ما دفع برؤوس الاموال إلى البحث عن قطاعات اقل اشباعا واكثر قدرة على العطاء. وكانت اسواق المال، من حيث الدرجة بالطبع ، اولى القطاعات الجاذبة لرؤوس الاموال بعد القطاع العقاري، ولاقت تلك الاسواق رواجا كبيرا لم تكن لتعرفه تلك الاسواق لولا الظروف الاقتصادية المستحدثة التي اخذت المنقطة تعبرها عقب احداث الحادي عشر من ايلول، كما بات التواصل مع تلك الاسواق بفعل تقنيات الاتصال الحديثة بالأنترنت وخلافه يفتح الباب سريعا وبكلفة رمزية لكل راغب بتشغيل امواله وبتنميتها عبر توظيفها في شراء الاسهم وبيعها. وكان للسوق الاردني نصيبا كبيرا من هذا الإقبال حتى بلغ مؤشر البورصة الاردنية ارقاما قياسية ، كما اصبح حديث البورصة لسان حال المواطن ايا كانت فئته الاجتماعية وايا كانت قدرته المالية على ذلك.
وما اصاب السوق العقاري عند بلوغه مرحلة الاشباع هو بخلاف ما اصاب السوق العقاري عند بلوغه ذات المرحلة. والسبب وراء هذا التباين بسيط ، ذلك ان العقار وإن فاقت نسب العرض فيه عن الطلب إلا انه بحكم خصائصه الطبيعية يحفظ قيمته بذاته ويبقى مخزونا اقتصاديا لفترات طويلة دون ان تتآكل قيمه الاقتصادية بفعل مرور الزمن، في حين ان البورصة بشكل عام هي سوق للتعامل بأوراق مالية، لا تحمل قيما بذاتها بل تعبر عن قيم اخرى بعضها مباشر والبعض الآخر غير مباشر، حتى ان نجاح الشركات المصدرة للاسهم من عدمه فقد قدرته على ضبط تقلبات سعر الاسهم إلى ان فقدت قوى السوق ككل قدرتها في السيطرة على نقاط التوازن فيه، فكان للاعبين في الاسواق حظا أكبر في اختراقها والتلاعب فيها على حساب قوى السوق الحقيقية التي تسعى لدعم السوق وانمائه قبل التفكير في استغلال فرصه وقطف ثماره.
وما زاد ازمة السوق عمقا ان القطاع المصرفي ، وهو الاكثر قدرة ومعرفة بوسائل التعامل النقدي وتدفقات رؤوس الاموال، كان مستنكفا عن سياسات التمويل الميسر لدعم المشاريع الانتاجية والاستثمارية بشكل عام لعقود طويلة ، كما كان متهيبا من فكرة الانفتاح على التمويل الانتاجي بدلا من العقاري، الامر الذي حرم الكثير من الفئات القادرة على الانتاج من تحقيق فرصها في النمو والنجاح. ولكن سرعان ما تخلى القطاع المصرفي عن تشدده التمويلي عندما فاضت ودائعه عن حاجته الطبيعية لها، فراح يعاجل إلى توفير السيولة في قنوات غير انتاجية وبسخاء كبير كان من ابرزها التمويل بغرض التعامل باسواق المال .
مثل هذا الانعطاف في سياسات التمويل المصرفي، جاء ليشفي غليل شرائح اجتماعية تعطشت لفكرة التمكن من الحصول على تمويل -اي تمويل- حتى وان كان بغرض التعامل باسواق المال دون غيره.
والآن أخذ السوق المالي يشهد موجات من النهوض مرة أخرى، واخذ الحديث عنه يتردد على السنة الناس اكثر فاكثر. ثمة رغبة اكيدة لدى كل مواطن بتحقيق ربح وفي البحث عن فرص اكثر انتاجا، ولكن الخطر يكمن في ان ما ساد السوق من انحسار في قطاعات لحساب قطاعات اخرة بات اليوم اكثر وضوحا وتجليا من ذي قبل، ويالتالي يكفي المتعاملين في الاسواق اليوم قراءة ما جرى في الاعوام الماضية كي لا ندفع بالسوق مرة اخرى نحو منزلق جديد.
info@muammarlawfirm.com