عندهم، في بلاد الغرب، اذا نبّهت احدهم الى خطأ ارتكبه فإنه يعتذر لك ثم يشكرك على الفور، أما عندنا، فإنك اذا نبهت احدا الى خطأ ارتكبه فإنه يشتمك ويعتدي عليك وربما يقتلك، بعد أن يرعد ويزبد ويزمجر ويصرخ،
نحن لا نسمح لاحد أن ينبهنا الى خطأ ارتكبناه ولا نقبل من أحد ان يخبرنا بفشل، تأبى علينا نفوسنا ذلك!! نحن لا نؤمن بأن الخطأ، ولو بكلمة هو تجاوز على حق من حقوق الاخر، ولو آمنا بذلك فإننا سنشكر من ينبهنا الى خطا ثم نعتذرعنه، كما هو الحال في بلاد الغرب مثلا، لان التنبيه في هذه الحالة يساعدنا على اعادة الحق الى صاحبه، والذي تجاوزنا عليه بعمد او من دون عمد،
جميل منا بأن نشعر بفداحة أخطائنا بحق الآخرين، ولكن الأجمل أن يترجم ذلك الشعور لواقع ملموس، واعتراف بالخطأ... يتبعه اعتذار شفاف مغلف بشموخ بنفس أحيطت بالتواضع والانكسار فقط لمن اقترفنا بحقه ما لا يليق به.
قديما لم يكن العرب يعرفون الاعتذار، ولا حتى يقرّون به، حتى لو بلغت جرائمهم بحق الآخرين عنان السماء، وذلك لجلافتهم وصلافتهم ووعورة طباعم، وتعصبهم واعتبار ذلك ضعف وأهانة ومنقصة بحقهم، لكنه لا مانع لديهم من الاعتداء على الغير وقطع الطرق وممارسة النهب والسلب.
يبدو أن ثقافة الاعتذار ما زالت أيضا عندنا لا وجود لها في قاموس حياتنا، ونحن بذلك لا نختلف عن اسلافنا من حيث الجلافة ووعورة الطباع، وأن من يعتذر للآخر في نظرنا معناه فقد الرجولة والكبرياء، ولولا أنه مخطيء لما اعتذر أصلاً!!!
هل سمعتم يوماً أن مسؤولاً ظهر على الشاشة، ليعتذر عن خطأ ارتكبه ويطلب المسامحة؟ على العكس تراه يتمادى في خطئه بل يعمل على توسيع دائرة الكراهية والتغطية على أفعاله حتى لا يفقد هيبته أمام الناس!!!
هل شاهدتم يوماً مسؤولاً حكومياً، وزيراً كان أم نائباً بعد أن اخطأ في حق من اتهمهم وتبين له أن ما قاله ليس صحيحاً، ثم بادر بالاعتذار... ، الغالبية تتمسك بآرائها وبتصلبها حتى لو كلفها ذلك الغالي والرخيص... نحن لدينا ثقافة الغلو والمكابرة ونفتقر الى ثقافة التسامح والاعتذار والاعتراف بالخطأ....
هل سمعتم يوما واحدا من رؤساء الدولة أو وزرائهم يعتذرون عن عدم وفائهم بوعودهم الكثيرة و المتواصلة، تجاه الشعب، أو عن سياساتهم الفاشلة، التي اثقلت كاهل المواطن الأردني بشتى ألوان الكآبة.
من المسؤولين من يحمل بين جنبيه نفس النمرود كِبراً وخيلاء حتى إنه إذا سلّم على الناس يرى أن الفضل والجميل له، حيث أنهم لا يستحقون ذلك منه، وإذا جلس معهم أدى ذلك تفضلاً وتكرماً منه، ولعل طباع بعضهم طباع يهود في تعاملهم ،
يقول ابن خلدون: إن الفنون ترقق الطِباع. ونحن الآن أحوج ما نكون لما يرقق طباعنا في زمن طغت عليه المادة، حتى اصبحنا في معطم مجالسنا نردد : أنا لا أعتذر لأحد ....
والسؤال : هل انتهى الرجال المُقتدى بفعالهم ؟؟