زراعة الرؤوس والطلاق المؤجل!
د. امل نصير
05-08-2013 03:42 AM
لسنوات خلت شاعت أغنية:(بدنا نتجوز على العيد)، ورددت على كثير من الألسن، وبالفعل تزوج عدد كبير من الناس على العيد، فارتبط العيد بفرح سنوي للسعداء في زواجهم، وبذكرى شقية للتعساء منهم.
لكن أن يرتبط الطلاق بالعيد فهذه مفارقة! فقد أصدر رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في إحدى الدول العربية قرارا يُمنع بموجبه القضاة من إقرار الطلاق أثناء شهر رمضان المبارك، إلا اذا اقتضت الضرورة، وبعد موافقه دائرة الإرشاد والإصلاح الأسري التابعة لديوان قاضي القضاة.
عُلل القرار، الذي جاء بعد توصية من قسم الإرشاد الأسري؛ بسبب ارتفاع حالات الطلاق في شهر رمضان من العام الماضي، إذ أن بعض الأزواج- حسب نص القرار- يتخذ من أداء فريضة الصيام بما فيها من نقص الطعام، والملذات، والتدخين سببا لإثارة المشاكل، فتكثر حالات الطلاق!
أسئلة كثيرة يمكن طرحها هنا: هل العلاقة الزوجية مرتبطة بفنجان قهوة أو سيجارة؟! أو مرتبطة بحالة عصبية، أو بصيام أو فرح بطعام؟!
وهل رمضان مدعاة لفسخ رابطة الزواج، وهو العقد المتين الذي أوصانا الله به، فكان أبغض الحلال.
ثم لماذا تأجيلة إلى العيد أو بعد العيد؟! وكأن العقل العربي لا يكتمل إلا مع الشبع والكيف، فيقرر صاحبه الحفاظ على عرى الزوجية أو لا!
استثنى القرار -مثل كثير من القرارات العربية- حالة الضرورة القصوى، ولا أدري ما المقصود بها هنا ! وهل لها علاقة بمكانة الصائم مثلا؟! إذا كان متنفذا أو غير متنفذ؟! أو لأنه أشدّ عصبية وصراخا!
والشرط الثاني لتنفيذ القرار: موافقة دائرة الإرشاد والإصلاح الأسري في ديوان قاضي القضاة! ولكن، هل تستطيع دائرة الإرشاد أن تقوم بدورها بالتوسط بين الأزواج، ونصحهم في هذا الوقت القصير لاسيما أن ساعات الدوام في رمضان تتقلص إلى ما يقارب النصف! وماذا إذا كان العاملون فيها أيضا يعيشون الحالة ذاتها من العصبية فيوصون بالموافقة على كل حالات الطلاق التي تصلهم؟!
كنت أتوقع أن تًذكر الظروف التي تعيشها الشعوب العربية: من حروب وفتن وقتل، ومستقبل مظلم وراء العصبية الداعية للطلاق أو لغيره من الخلافات بين الناس، وإذا بها مشاكل البطون لا غير هي التي تهزم العقول!
كل هذا يقودنا إلى طريقة التربية الأسرية، والثقافة المجتمعية، التي غرست في المجتمع نسقا ثقافيا ما زال يتغلغل فينا، وهو الذي أعطى بعض الأزواج الحق في الطلاق التعسقي بسبب أو دون سبب!
وإذا كان الأب يستثمر امتلاكه لحق الطلاق في الأسرة، فيتعسف فيه ما وسعه التعسف، فلماذا يلام حكامنا على قرارتهم المتعسفة بالفتك بشعوبهم، او سرقتهم، او التآمر عليهم؟! أليس هذا كله يندرج في إطار استثمار السلطة وصناعة القرار؟!
خبر آخر محيّر نشر في هذا الشهر الكريم على قناة الجزيرة بعنوان: أصغر زوجة في العالم يتحدث عن أب يمني زوج ابنته ذات ال7 سنوات...!
في مقابل هذين الخبرين نشرت وسائل الإعلام خبرين آخرين مهمين في خدمة الإنسان: الأول تحضير طبيب أعصاب إيطالي لزراعة رأس إنسان في جسد آخر للمرضى المصابين بالشلل أو ما يشبهه من الأمراض، وخبر اختراع كلية صناعية يستغني بها مرضى الفشل الكلوي عن معاناتهم الكبيرة!
وبعد، فلماذا نلوم أعدءنا حينما ينظروا إلينا نظرة سلبية! أليس نحن من نعطيهم المبرر، ونوثقة بقرارات مكتوبة ومعلنة، ونناقشها بكل حماس على محطاتنا الفضائية؟! ثم نعود ونتهمهم بأنهم لا يثقون بعقولنا، وأنهم لا يحافظون على الأسرة وأنهم ...، وهم الذين يعملون على زرع الرؤوس ونحن نتفاخر بقطعها!