اشكالية الحركات الاسلامية
11-01-2008 02:00 AM
جميعنا يعلم أن عالمنا العربي و الاسلامي اصبح مليء بالعشرات من الحركات الاسلامية ، و ان كانت تختلف احيانا في بعض طروحاتها الا أن المتتبع لفكر و مسيرة معظم الحركات و الاحزاب الاسلامية يجد انها تتشارك في معظمها بالكثير من الجوانب الاساسية مع اختلاف في بعض الجزئيات ،طبعا هناك العديد من الاشكاليات لهذه الاحزاب ، و التي كانت سببا في نشوء ظاهرة التطرف و التعصب في عالمنا العربي و الاسلامي ، حتى ان بعض تلك الاحزاب كانت تُعتبر الرحم الذي نشأ ت فيه بعض تلك الحركات المتطرفة و الحضن الذي كبُرت و ترعرعت فيه ،
للأسف أن أيا من هذه الاحزاب لم تستفد من تجارب سابقاتها و سارت على نفس الخُطى و ارتكبت نفس الاخطاء و ربما في بعض الاحيان بوتيرة اكبر من سابقاتها ،
حاولت أن ألخص بعضا من تلك الاشكاليات حسب وجهة نظري الشخصية طبعا ، و ذلك في محاولة لفهم اسباب الفشل الذي منُيت به العديد من تلك الحركات هذا من جهة ، و من جهة اخرى لمعرفة سبب عدم قدرة البعض الاخر على التقدم الى الامام رغم عمرها الطويل نسبيا مقارنة مع التيارات الاخرى ،
أما أهم هذه النقاط فهي :
1- احتكار الاسلام :
ربما كانت هذه النقطة تٌعتبر اهم اول اشكالية من اشكاليات تلك الحركات و الاحزاب ، فكلٌ ينظر الى نفسه على انه هو الممثل الشرعي الوحيد للدين الاسلامي الذي أنزل على سيدنا محمد عليه السلام ، و أنه الناطق الرسمي بإسمه ، و أنه الوحيد المُطبق لهذا الدين و لأحكامه الشرعية ، فضلا عن أنه الفاهم الوحيد لهذه الشريعة ،
و بناءا عليه فإن أي شخص غير منتمي لهذا الحزب فهو بالضرورة غير منتمي الى الدين ، حتى و ان كان ينتمي الى حزب اسلامي آخر !
و ربما لا نبالغ لو قلنا ان بعض الاحزاب تُدرج من لا ينتمي اليها تحت باب ( أهل الذمة ) !!!
و هذه النقطة ( احتكار الاسلام ) تظهر حتى في تعامل هذه الاحزاب مع بعضها البعض ، و عدم التعاون بينها يُرد الى هذه النظرة ، و كلٌ يتهم الاخر بأنه يخترع دينا جديدا .
اريد أن أقول ، أن الاسلام دين عالمي ، للبشرية كلها ، ليس حكرا على حزب او حركة او جماعة ، هكذا كان و هكذا سيبقى الى أن يرث الله الارض و من عليها .
2- نظرة الكره للمجتمع :
تُعتبر هذه ثاني اهم اشكالية ، و هي تُشكل مع النقطة الاولى نواة كل فكر متعصب و متطرف ظهر على الساحة ،
تلك النظرة القائمة على الحقد و الكره للمجتمع و الرغبة الجامحة في الانتقام منه ، و التي يرجعونها ( على حد زعمهم ) الى الاسلام و تعاليمه ، و الاسلام منها بريء ،
تلك النظرة التي كانت سببا في كل تلك التصرفات القاسية التي تصدر عن اعضاء تلك الجماعات ،
تلك النظرة التي ترى العاصي او المقصر كافرا بالله و جاحدا للدين يجب استئصاله ، بل حتى انها تذهب الى اكثر من ذلك عندما تصف من يُخالفها بالرأي ( حتى و ان كان ملتزما دينيا ) بالكفر و الالحاد ،
هذه النظرة تأتي لتُخالف أهم ما قام عليه الدين الاسلامي و هو الشفقة و الرحمة ،
ففكرة الاسلام الاولى تقوم على الرحمة و الاشفاق على الناس و الرغبة في انتشالهم من الظلمة التي يعشونها ليملئ نور الاسلام حياتهم ، و هذه الصفة تظهر جلية و واضحة في سيرة الرسول الكريم العطرة سواءا عند وجوده في مكة بين المشركين او عند ذهابه الى الطائف او فيما تلا ذلك من احداث ، معطيا بذلك اروع الامثلة في الشفقة و الرأفة بالمجتمع حتى في قمة ابتعاده عن الله .
( اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون ) هذه كانت كلماته عليه السلام عند حاربه الكفار و آذوه ،
( دعهم يا جبريل لعل الله يُخرج من بين اظهرهم من يعبد الله ) و هذه كانت كلماته عندما أدماه أهل الطائف و جاءه جبريل يُخبره أن ملك الجبال يستأذنه في يطبق الجبلين عليهم جزاءا لكفرهم و أذيتهم للرسول .
هل يوجد شفقة و رحمة أكثر من هذا ؟
الم يكن الرسول الكريم قادرا على أن يدعوا ربه ليُهلك اهل الطائف و الكفار و كل من يُخالفه و يُخالف شرعه ؟ و سيكون معذروا في هذا نظرا لما لاقاه من اضطهاد و أذى ،
لكنه عليه السلام ابى ان يفعل ذلك ليبين لنا نقطة هامة و هي أننا لا نكره الناس بل نكره بعض افعالهم ، و هذا يتطلب منا بالضرورة أن ننظر اليهم بعين الشفقة عند ارتكابهم لاي خطأ ، نشفق عليهم لانهم ابتعدوا عن جادة الصواب و نحاول ان نساعدهم في العودة اليها ، لا أن نحقد عليهم و نكرههم و نقضي عليهم !
هذا هو لب الاسلام ، و لذلك استحق ان يكون هذا الدين للبشرية جمعاء و ان يكون هذا الرسول رسولا لكل الناس .
3- الاحزاب الاسلامية و الحركة الثقافية :
المتتبع لنشاط تلك الاحزاب و الحركات يجدها بعيدة كل البعد عن الحركة الثقافية في المجتمع ، و لا تقدم اي نشاط ثقافي حقيقي يُذكر ،
فنشاط تلك الحركات يتمثل في بعض اللقاءات مع شريحة الشباب حيث يتم القاء خطاب سياسي عليهم او تقديم فتاوى شرعية ، او سرد تاريخي .
اما المطبوعات و الدوريات التي تصدر ، فمظمها ذو طابع سياسي فقط ،
و حتى تواجد رموز تلك الحركات في المنابر الثقافية يكاد يكون معدوما .
و لا نجد اي شكل واضح من اشكال الحركة الثقافية ،
مع العلم ان الاسلام قد اعتنى بالجانب الثقافي بكافة جوانبه و اشكاله و أثراه و طوره و ارتقى به الى اعلى الدرجات حتى اصبح عنوانا للحضارة الاسلامية .
4- العيش في زمن المعتزلة :
ان العيش في زمن المعتزلة و الخوارج يتطلب وجود عدو لمحاربته ، و طرفا اخر لمخالفته ، فهذا معتزل ، و هذا خارج ، و هذا قدري ، و هذا و هذا .... ،
لذلك فإن محاولة استحضار تلك المرحلة من التاريخ الاسلامي و القاؤها على حاضرنا و العيش في كنفها يتطلب منا اعادة احياء تلك الفرق المنتهية من جديد لمحاربتها ، و هذه النقطة تُُعد من أحد الاشكاليات الهامة التي تُعاني منها تلك الحركات .
5- ردود الافعال و غياب الاستراتيجية :
نجد ان معظم تصرفات تلك التيارات قائمة على مبدأ الفعل و رد الفعل ، و ليس على مبدأ النظرة الاستراتيجية المدروسة بشكل علمي و دقيق ، و بالتالي فإن ردود الافعال غالبا ما تتسم بالفوضوية و الخطأ في التقييم .
6- الاجندة المتكاملة :
السؤال الذي يطرح نفسه و الذي طرحه الكثيرين : هل يملك جماعة الحركات الاسلامية اجندة متكاملة في حال وصولهم الى اعلى المناصب السياسية في اي بلد ؟
هل يستطيعون ان يديروا شؤون الامة ؟
أم أن امكانياتهم تتوقف عند ادارة مكاتبهم و شؤونهم الخاصة فقط و بعض الجمعيات ؟
ربما لن أجيب على هذا التساؤل ، فالواقع هو الذي يُجيب عنه بشكل واضح .
7- السياسة الدولية :
اذا كانت تلك الحركات لا تملك اجندة داخلية ، فهل سيكون لها اجندة خارجية ؟
و اذا كانت نظرتها لمجتمعاتها كما ذكرتُ في النقطة الثانية ، فكيف ستكون نظرتها و طريقة تعايشها مع باقي الاطراف التي تعيش معنا على ظهر هذه البسيطة ؟
أخيرا – انا لا اقصد بهذا ان اقدم هذه الاشكاليات على انها اشكاليات في الدين و لم أُشر الى هذا لا من قريب و لا من بعيد ، و لكنها اشكاليات في بعض الحركات و التيارات التي تتخذ من اسم الدين غطاءا لها ، و هي لا تعلم انها بذلك تساهم في فصل الدين عن المجتمع و الدولة ، فإذا كان العلمانيون ينادون بفصل الدين عن الدولة فإن هذه الحركات ساهمت في تكريس هذه الفكرة و العمل عليها من خلال تأطير الاسلام و تحزيبه و احتكاره و محاولة افراغه من مفاهيمه الاساسية .
yousco1@yahoo.com