سؤال في مكانه وزمانه بعد زوال حكم الإخوان إلى غير رجعة في مصر بسرعة تفوق البرق والرعد وارتداده على تراجع صعودهم في أرجاء الوطن العربي كافة في ليبيا وفي تونس وفي الأردن أيضاً، والجيش المصري الذي تدخل أمس وأغلق الستارة على حكم ونظام مبارك بعدما هرم وقررت عائلته وقرر صحبه سرقة مصر وإغراقها بالديون ونظم انتخابات رئاسية مبكرة هو نفسه الجيش الذي أطاح بالأخوان لتعثرهم في السياسة والاقتصاد وبالتالي في الحفاظ على الأمن رغم صعودهم الساحر بنسبة مئوية حذرة اقتربت من نسبة تيار الاعتدال بقيادة أحمد شفيق عبر صناديق الاقتراع، وآن الأوان في مصر للارتفاع عن ترديد اسميّ مرسي الذي وضعه الكاتب المصري والعربي الكبير محمد حسنين هيكل بـ (يوليوس الرابع عشر) صاحب مقولة أنا الدولة والدولة أنا في القرن 19 والسيسي الذي نعته ميدان رابعة العدوية بكامل لونه الإسلامي السياسي بالديكتاتور والاهتمام والانتباه أكثر لمن يقود مصر وإلى أين؟ وإلى كيف تنظر الدول العربية والعجمية لحراك مصر (أم الدنيا) وزعيمة العرب؟
حتى نفهم ما يجري في مصر ونتوقع المستقبل الذي نرفض أن يتحول لا سمح الله وقدر (ليبيا وسوريا2) علينا أن ننظر للمشهد السياسي هناك بعيني متكافئتين واحدة تجاه ميدان رابعة العدوية الذي يتحدث عن تاريخ التصوف الإسلامي والأخرى تجاه ميدان التحرير الذي يعكس الخلاص من الاستعمار الإنجليزي 1919، ولحصر تاريخ هو الأعرق في شرقنا العربي يعود لحضارة البداري 3000 قبل الميلاد وإلى ما قبلها وبين الميدانين ووسط تموج الشارع المصري المليوني تستشرف المستقبل، ولمصر العزيزة علينا تاريخ مشرف من الكفاح والنضال من أجل الحرية والديمقراطية وإحقاق العدل، فكان لها الدور الأساسي في الصراع العربي الإسرائيلي، فكانت السباقة بالدفع في قواتها لقتال العصابات الصهيونية في حرب 1948، وفي عام 1967، قرر جمال عبد الناصر الزج بسوريا والأردن لدخول معركة مع إسرائيل لإرغامها على الخروج من فلسطين التاريخية تحت شعار (ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة) وجاءت النتيجة عكس حسابات مصر وتم خسران كامل فلسطين والجولان وسيناء (آنذاك) ومات عبد الناصر قهراً لاحقاً بعد محاولته الاستقالة قبل ذلك ونأخذ هنا بعين الاعتبار معارضة شهيد الأردن الكبير وصفي التل لهذا المخطط والتوجه العسكري لحسبته الخسارة مبكراًَ، وفي عام 1973 هاجمت مصر إسرائيل بالتعاون مع سوريا والأردن لتحرير سيناء والجولان وانتهت بانتصار نوعي بعد اختراق خط بارليف وإجبار إسرائيل للتراجع خلف قناة السويس الشرقية وللانسحاب من مدينة القنيطرة السورية، وتم في وقت لاحق عام 1979 إعادة كامل سيناء بسلام قرره السادات وأقرته إسرائيل بعد زيارته الانفرادية المشهورة، للكنيسيت الإسرائيلي وإلقائه خطاباً دعا فيه للسلام وعدم إراقة الدماء ثم دفع الثمن باغتياله من قبل الإسلاميين وهم أنفسهم الذين استلموا السلطة في القاهرة وفتحوا القنوات الدبلوماسية الحميمة مع تل أبيب بنفس الطريقة الانفرادية وحفاظاً على معاهدة كامب ديفيد.
عندما صعد الإخوان إلى السلطة في القاهرة وقبلها في تونس وليبيا قيل أن أمريكا وقفت وراء ذلك وتريدهم أن يصعدوا في دمشق، وعندما بدأ الانهيار الإخواني في مصر وترنح وغرق في الاغتيالات في تونس وليبيا تردد من جديد اسم أمريكا وراء تحريك دخان ونيران سقوط الإخوان على أنغام المصالح الجيوبولوتيكية الأمريكا-إسرائيلية للتجديف مجدداً تجاه إعادة محور الاعتدال العربي والغريب هنا هو أن التيار الإخواني العربي في مصر وتونس وليبيا وقف مناهضاً لنظام الأسد وأعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق من دون الحاجة للدعوة لعقد لجنة تقصي حقائق دولية نزيهة تظهر حقيقة ما جرى ويجري في سوريا من قتل وتعذيب وتشريد وتجويع في وقت يدافع فيه النظام السوري عن نفسه وبالتعاون مع حزب الله في لبنان والعراق (دفاعاً أيضاً عن سلاحه) ومع الحرس الثوري الإيراني (دفاعاً عن مصالح إيران الاستراتيجية)، وفي زمن هو فيه الجيش الحر بحاجة لمساندة من طابور خامس متعدد المذاهب ويحتكم لقيادة تنظيم القاعدة الإرهابي الدعم المالي السعودي والإماراتي والكويتي لمصر بعد السقوط المدوي لمرسي صاحب الشرعية وبحجم 12 مليار دولار، وهي الشرعية التي تحولت إلى سراب رغم الحشود المليونية في ميدان رابعة العدوية بسبب أخطائه الإدارية والسياسية باسم حزبه القيادي والتي على رأسها عجزه عن استرداد الأموال المسروقة وتدخله في استقلالية سلطة القضاء وعدم انسجامه مع قيادة الجيش برئاسة السيسي وقطعه للعلاقات المصرية مع دمشق وعلاقته الملاحظة مع حماس وهز الاستقرار في سيناء وتحميل مصر ديوناً جديدةً (12 مليار دولار) وتخبطه في الخطابة السياسية وميوله للعشوائية والوعود الخيالية لها مبرراتها التي تتركز حول التصدي لمنع الهلال الإخواني من اجتياح الجزيرة العربية وما حولها والشكوك هنا تدور من جديد حول الدور الأمريكي المناهض للأخونة في زمن الحاجة للاعتدال وليس للدوران تجاه التطرف والتشدد وضرب مصالحها في المنطقة الشرق أوسطية الملتهبة، وانسجام أردني أمريكي في دعم مصر الاعتدال معنوياً وزيارة جلالة الملك عبد الله الثاني السريعة غير المتسرعة للقاهرة متوفراً خير شاهد.
كاثرين اشتون وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي زارت مصر أكثر من مرة لتطمئن أوروبا من أن التحول الديمقراطي من التطرف إلى الاعتدال يسير بخطى ثابتة من دون الحاجة لمزيد من العنف مع ضرورة السماح للإخوان دخول حلبة الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة وعدم انتهاج سياسة إقصاء مماثلة معهم بحكم حضورهم المؤثر في الشارع المصري وتصريحات جون كيري وزير خارجية أمريكا قبل أيام من الباكستان ساندت بوصلة مصر الجديدة للتجديف إلى الأمام دون الحاجة للالتفات إلى الخلف البحث عن حل سلمي لازمة السلطة هناك بإشراك الإخوان من جديد.
الأصل يقول بأن رئيس الجمهورية أو وزير الخارجية أو وزير الإعلام هم من يحق لهم التحدث باسم مصر وليس الجيش بسبب أنهم يمثلون السياسة وهو يمثل الأمن لكن الذي جرى ويجري هو أن الجيش هو الحاكم الفعلي في مصر بينما رئيس الجمهورية المؤقت عدلي منصور شكلي، والدستور المصري نص على أنه في حالة غياب رئيس الجمهورية بسبب الموت أو الاستقالة فإن رئيس المحكمة الدستورية يتسلم إدارة البلاد لمدة أقصاها 60 يوماً لحين انتخاب رئيس جديد، لكنه لم ينص على أي مصطلح ذو علاقة بالإقالة، والرئيس المعزول مرسي أقيل ولم يستقيل كما نعرف ومنتخبوه يرغبون وعبر حشود مليونية أعادته (لكرسي الشرعية) بينما الجيش ورجالات مبارك والأحزاب المصرية غير المنسجمة مع الإخوان مثل (الوفد) و (الجبهة الديمقراطية) ترفض ذلك وتعتذر عن الدخول معهم في أي حوار يقود إلى إعادة الكرسي الإخواني، وفي المقابل أحزاب أخرى قبلت الحوار مثل (العمل) و (الكرامة) و(التجمع) و (الناصري) و (الدستوري الحر) لكنها لا تملك قراراً أو تأثيراً على سلطة الجيش المكلف دستورياً وشعبياً الآن ومن وسط ميدان التحرير مؤخراً بالحفاظ على أمن مصر وبترتيب هيكل السلطة السياسية فيها.
أمن مصر هو لكل العرب، والربيع العربي الذي تحول من إصلاحي مناهض للفساد إلى فوضوي وتخريبي والتصق بمشروعي سايكس بيكو المتجدد والشرق الأوسط الجديد أصبح تأخراً ناخراً في الجسم العربي ودافعاً له تجاه العنف والانقسام، وأكثر ما يدهشني هنا هو استهداف المنطقة العربية دون غيرها على وجه الأرض بسبب غياب الوحدة وتغلغل الاستعمار فيها بشكل مباشر وغير مباشر، والصهيونية حاكمة العالم لا ولن تنام إذا ما استشعرت عن بعد قرب توحد العرب وبجنوحهم صوب السلام العادل والشامل بعد إعادة المغتصب من الأرض وتحرير المعتقل، وإخلاء مقاطيع اليهودي المتصهينين من مستوطناتهم، وعودة المهجر إلى أرضه، ونهوض دولتهم، وعودة قدسهم.