في مراحل سابقة، كان تهريب السلاح من سورية إلى الأردن أمرا معتادا، ونشاطا معروفا لتجار السلاح. لكن في هذه الظروف بالتحديد التي تحتاج فيها الجماعات المسلحة في سورية لكل طلقة، وتشكو من نقص العتاد العسكري، يصبح "تصدير" السلاح إلى الأردن أو غيره من الدول شيئا محيّرا يثير أسئلة مقلقة؛ فإذا كانت الشحنة تعود لتجار غير مرتبطين بجماعات متشددة، وهدفهم الربح، فإن "السوق" السورية أجدى لهم ألف مرة من "أسواق" دول الجوار.
أول من أمس، أعلنت قوات حرس الحدود الأردنية عن ضبط "كميات كبيرة" من السلاح كانت في طريقها إلى الأردن، إلى جانب شحنة مخدرات. لم تكشف المصادر العسكرية تفاصيل كثيرة عن هوية المتورطين الذين تم القبض عليهم، ولا عن وجهة الشحنة.
خلال أشهر مضت، سعى تجار السلاح في الأردن إلى جمع أكبر كمية ممكنة لتهريبها إلى سورية، مع تزايد الطلب هناك. ويؤكد مطلعون أن تفريغ السوق المحلية من الأسلحة المهربة قفز بأسعارها إلى معدلات غير مسبوقة. وكان التحدي الرئيس أمام قوات حرس الحدود هو السيطرة على منافذ تهريب السلاح إلى سورية. وتم بالفعل ضبط أكثر من شحنة في الأشهر الماضية.
بواعث قلق كبيرة يحملها هذا التحول في عمليات تهريب السلاح من سورية إلى الأردن؛ فهي تتزامن مع تمركز عال ومكثف لمقاتلي تنظيم القاعدة، من شتى الجنسيات، في سورية، وبينهم مئات الأردنيين. وبالاستناد إلى تجارب سابقة في العراق وأفغانستان، سعى تنظيم القاعدة على الدوام إلى توسيع رقعة عملياته، ونقلها إلى دول الجوار لأهداف متعددة؛ تارة لضرب أهداف خارج الميدان ترتد على شكل مكاسب في أرض المعركة، وتارة أخرى لنقل المواجهة إلى ساحة ثانية لتخفيف الضغط في الداخل.
يخشى مراقبون من أن فقدان الأمل بالنصر قد يدفع بمقاتلي "القاعدة" إلى نقل المعركة خارج الأراضي السورية، وفتح جبهات جديدة في دول الجوار. يبدو ذلك جليا في العراق الذي استعاد فيه تنظيم القاعدة حيويته وقدراته العملياتية في الآونة الأخيرة، بتنفيذ سلسلة من العمليات الإرهابية والدموية. وليس بعيدا ما يحدث في لبنان بين الفينة والأخرى من هجمات صاروخية، وسيارات مفخخة.
وتشهد كل الساحات التي نشط فيها تنظيم القاعدة على نشوء تحالف بين الجهاديين وتجار السلاح ومهربي المخدرات. كانت أفغانستان أنموذجا على ذلك. وفي مرحلة من المراحل فرضت حركة طالبان ضريبة على تجار المخدرات مقابل تسهيل عملهم، ثم انخرطت معهم في تجارة تهريب المخدرات التي كانت تدر عليهم أموالا طائلة.
في الجزائر، اشتهر القيادي في صفوف "القاعدة"، ولاحقا في تنظيم "الموقعون بالدم"، مختار بلمختار، باسم "السيد مارلبورو"؛ كونه امتهن تهريب السجائر لتمويل عمليات التنظيم في الجزائر أواسط التسعينيات، وفي مالي في السنوات الأخيرة.
ليس مستبعدا إذن أن ينشأ تحالف كهذا بين مهربي السلاح والمخدرات المتمرسين على الحدود الأردنية-السورية، وبين تنظيم القاعدة الذي نجح في تأسيس بنية تنظيمة قوية عابرة للحدود، وهو على وشك إعلان دولته على أرض سورية.
يمثل هذا التطور بالنسبة للأردن خطرا جديا، خاصة أن فعالية "القاعدة" لا تقتصر على آلاف العناصر المتواجدة في سورية، وإنما بالمئات من أتباعها في الأردن، والذين سبق للعشرات منهم أن تورطوا في أعمال إرهابية.
نتائج المواجهة الجارية في سورية تعني الكثير للأردن.
fahed.khitan@alghad.jo
الغد