"الضمان": المطلوب شخص يقول لا
جمانة غنيمات
03-08-2013 05:00 AM
قرار إنهاء خدمات رئيس صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي د. هنري عزام، يوم الأربعاء الماضي، ينطوي على دلالات مختلفة، رغم أن الحكومة لم تبرّر القرار.
صيغة القرار ليست مريحة، وتُقرأ في ثناياها رسائل مختلفة، لاسيما أن عقد الرجل كان يقترب من الانتهاء، وكان بالإمكان عدم تجديده عندئذ.
الظاهر أن رئيس الوزراء، د. عبدالله النسور، على وجه الخصوص، قد اتخذ القرار الذي عَقَد لأجله اجتماعا خاصا لمجلس الوزراء، وتمّ إعلانه بهذه الصيغة كرسالة لبعض مراكز النفوذ؛ بتمسكه المطلق بالولاية العامة، على اعتبار أن الحكومة صاحبة الحق في اتخاذ القرارات، وليس أي جهة أخرى.
خلف القرار تختبئ أسئلة كثيرة. فهل أخطأ د. عزام حتى تكون الصيغة على النحو الذي جاءت عليه؟ وأين أخطأ؟ هل عقد صفقات تضر بأموال "الضمان"؟ أم أن الحكومة تحاملت عليه لأسباب ليست له علاقة بها؟
لا توجد معلومات كافية. بيد أن كل ما يقال ويرشح من معلومات يتعلق بتوجهات لدى الرئيس السابق "للصندوق" باتخاذ قرارات كان من الممكن أن تخلق ضررا بأموال "الضمان"، آخرها محاولة دفع لشراء حصة كبيرة من بنك إسلامي إقليمي يعمل في السوق المحلية، رغم أن الملكية في هذا البنك مخالفة لبعض المعايير العالمية.
رحيل عزام الذي أثار أسئلة كثيرة ما تزال تنتظر إجابات شافية، يؤكد أن التغيير جاء حرصا من الحكومة على استقلالية القرار، وليس العكس.
الرجل جاء في ظل ردة فعل سلبية إعلامية وسياسية. وهو إذ رحل، فإن السؤال اليوم يدور حول الشخص البديل، وماهية المعايير التي ستعتمدها الحكومة لاختيار خليفة لعزام، وما إذا كان متنفذون سيتدخلون من جديد لفرض شخصية بعينها لتكون مسؤولة عن مليارات "الصندوق"، وبشكل يؤهلها للتدخل فيه أحيانا.
من بين الصفات المهمة لرئيس "الصندوق" الاستقلالية بالدرجة الأولى، بما يؤهله للحفاظ على استقلالية القرار حتى من ضغوطات الحكومة الحالية، والتي سعت أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية إلى الحصول على أموال من "الصندوق"؛ مرة لشراء سفارات، ومرة أخرى للدخول في المشروع النووي.
الصفة الثانية أن تكون الشخصية وطنية، تدرك تماماً حساسية الأردنيين المفرطة تجاه المسّ بأموال "الضمان" خوفا على مستقبلهم ومستقبل الأجيال المقبلة؛ شخصية قادرة على قول لا. وللأمانة، فقد كانت هذه الصفة راسخة في شخصية الرئيس السابق للصندوق ياسر العدوان، الذي رحل بشكل مفاجئ عن موقعه؛ بل وعلم بالقرار من الإعلام!
خلال السنوات الماضية، ومنذ رحيل فارس شرف عن رئاسة "الصندوق"، ولحقه أيضا ياسر العدوان، كان هذا الموقع عرضة للانتهاك من قبل مسؤولين، ولرغبات رؤساء حكومات قللوا من خطورة التطاول على استقلالية "الصندوق". والحكومة اليوم على المحك؛ واختيار رئيس جديد للصندوق سيحمل دلالات مهمة، تماماً كقرار رحيل عزام.
نتمنى أن لا يتكرر الخطأ، فهذا الموقع يحتاج أكثر من خبير استثماري؛ هو يتطلب شخصية تدرك عظم المسؤولية، ولديها شعور وطني عميق، بما يمكنها من مجابهة الضغوطات.
وبمناسبة الحديث عن الضغوطات، فإننا نستذكر كيف رحل العدوان عن مؤسسة الضمان الاجتماعي بعد أن خاض معارك طويلة مع حكومات ومسؤولين ومتنفذين للحؤول دون فرض أجنداتهم على المؤسسة لبيع أسهم بنك الإسكان.
على الحكومة اختيار شخصية تنفي عنها كل التهم، لاسيما تلك المتعلقة برغبتها في الاستحواذ على "الضمان" وأمواله. والحكمة تقتضي تعيين شخصية تزيد الثقة باستقلالية "الصندوق" وقراره الاستثماري إلى أبعد حد ممكن.
jumana.ghunaimat@alghad.jo
الغد