• عامل الوقت بدأ يساهم بتعميق الأزمة الاخوانية في مصر و الاقليم.
فمع انقضاء تجربة اخوان مصر في الحكم تكون تنظيمات الاخوان المسلمين في المنطقة على موعد مع الهزات الارتدادية للتسونامي المصري.
من وجهة نظر براغماتية سياسية, لم يخطأ الاخوان المسلمون في مصر بالانضمام الى التحالف الاقليمي التركي القطري في بداية ما يسمى الربيع العربي. حيث ان هذا التحالف كان أشبه بالرهان على الحصان الفائز و الذي وجدت القراءة الاخوانية فيه بوابة العبور نحو تحالفات اقليمية و دولية راسخة تهيئ للجماعة الوصول الى السلطة بسهولة و البقاء لفترة طويلة نظراً للمشاريع الاقليمية التي كان من المفترض ان يضطلع بها هذا المحور.
أخطر ما يواجه الاخوان المسلمين اليوم هو اصرار الجماعة على عدم رؤية الامور بمنظارها الحقيقي, او بالأحرى عدم قدرتها على مواكبة المتغيرات السياسية الأخيرة, سواء على صعيد الخطاب او التحرك على الأرض.
المنطق الاخواني يصر على تعزيز صورة المؤامرة و المكيدة التي حرمت التنظيم من الحصول على فرصته في الحكم. منطقياً, أضاع الاخوان المسلمون الفرصة الذهبية التي اوصلتهم الى الحكم. لم يكن الامر سهلاً بلا شك, و الدليل ان الخطاب الاخواني يصر على اتهام دول اقليمية بإفشال التجربة.
كثير من المحللين يرى ان مسمى "التفشيل" يمثل محاولات تبريرية غير منطقية يسوغها التنظيم الاخواني. ففي الوقت الذي عملت دول على افشال المشروع الاخواني في مصر, عملت دول على تمكين الحكم الاخواني و دعمه و تثبيته, حيث بدا المشهد حينها ان قطر دعمت المشروع الاخواني في مواجهة الامارات و كذلك فعلت تركيا في مواجهة السعودية.
لهذا فان فشل التجربة الاخوانية قد يكون نتاج لعدم قدرة الاخوان المسلمين على التعامل مع المتغيرات السياسية الاقليمية و ارتهانهم لرؤية حلفاءهم السياسيين (قطر و تركيا) الذين دفعوا أيضاً ثمن خسارتهم للصراع السياسي في المنطقة. و لعل الصراع على مقعد الشراكة في التسوية الاقليمية بين التيارين السنيين في المنطقة كان له السبب الاكبر في التداعيات الاخيرة.
فتعديل مبادرة السلام العربية جاء وبالا على المعسكر القطري -صاحب مبادرة التعديل-, و كذلك على رئيس الوزراء التركي اردوغان, الامر الذي انعكست تجلياته على المشهد المصري بوضوح و دفع ثمنه الحليف الاخواني. لذلك من الطبيعي ان يمثل المحور السني المنتصر ( الامارات و السعودية و الاردن بالإضافة الى الكويت) الشريك الرئيسي للمجتمع الدولي في ملف التسوية اليوم.
عدم القدرة على قراءة المشهد الاقليمي و الدولي و شكل تحولاته قد يدفع بتيارات اخوانية شابة الى المشهد السياسي, فالكثير من هذه التيارات تشعر بحالة من المرارة السياسية الناتجة عن اضاعة فرصة الوصول الحكم من جهة, و من جهة أخرى, تشعر بضرورة تعويض هذه الاخطاء عبر الالتحاق بركب التطورات الجديدة لضمان عدم الخروج من المشهد السياسي, متجاوزون بذلك حالة التعنت التي تفرضها القيادات الاخوانية و التي ستقدم – للأسف- كل أشكال المسوغات التي ستدفع بها الى خارج المعادلة السياسية الجديدة.
فأزمة الاخوان المسلمين الاقليمية و الرهانات على المواقف الداعمة لبعض القوة الدولية قد تؤدي –بلا شك- الى انتقال الأزمة الى أروقة الداخل الاخواني. الأمر الذي سيعزز فرصة نشوء تيارات سياسية جديدة نابعة من داخل الجماعة التي تبدو غير قادرة على تجاوز الأزمة السياسية او حتى التعامل معها بمرونة تضمن للتنظيم الاخواني الخروج من الأزمة الحالية و البقاء في المشهد السياسي مستقبلاً.
من جهة أخرى, فان الخروج القطري من المعادلة الاقليمية و تصدر السعودية لمعظم ملفات المنطقة, من الازمة السورية الى التسوية الاقليمية, يشير الى تقلص فرص الاخوان المسلمين في البقاء ضمن المشهد السياسي الاقليمي, خصوصاً اذا ما اعتبرنا ان كثير من الايحاءات تشير الى رفع الغطاء الدولي عن التنظيم الاخواني, خصوصاً بعد ما صدر عن الادارة الامريكية من تصريحات تشير ضمناً الى ذلك, كتصريح جون كيري المتأخر بأن تدخل الجيش في مصر جاء لإنقاذ الديمقراطية, و كذلك تصريح وزير الدفاع الامريكي بتقريب اجراء مناورات النجم الساطع بين الولايات المتحدة و الجيش المصري.
اما اقليمياً فيشير الحراك السياسي السعودي الى تجاوز الواقع الاقليمي للتنظيم الاخواني. فمنذ بدأ السعوديون حراكهم السياسي على الصعيد الاقليمي, بدأ الدور التركي و القطري بالانحسار التدريجي. و لعل الخطوة السعودية الأكثر اثارة للتحليل تمثلت بزيارة رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان الى موسكو و لقاءه بالرئيس بوتين. بعض المحللين وجد في حراك الامير السعودي رغبة للتيار السعودي المتطرف بإعادة تموضعه سياسياً, خصوصاً, بما يتعلق بملف الأزمة السورية و اللبنانية و حتى الايرانية.
و قد يكون الواقع العسكري على الارض في سوريا هو الذي دفع برئيس الاستخبارات السعودية الى زيارة موسكو و بحث شكل الخروج السعودي من الأزمة. الحقيقة ان الامير السعودي الذي عجز في السنوات الثلاثة الاخيرة على تنفيذ اجندته "القديمة المتجددة" بإسقاط الثلاثي (سوريا, ايران حزب الله) لا يرغب بالخروج من المشهد السياسي مجدداً, و يسعى جاهداً الى عدم تكرار سيناريو العام 2007 الذي دفع به خارج المعادلة السياسية السعودية و الاقليمية. في خضم صراع التوريث السياسي في الداخل السعودي, يدرك الأمير بندر حجم الانعكاسات السلبية عليه شخصياً و على تياره السياسي في حال فشل مجدداُ في اسقاط النظام في سوريا. لهذا يسعى رئيس الاستخبارات السعودية الى البقاء كجزء أساسي في المعادلة السياسية الاقليمية, فهو يدرك ان بوابة موسكو هي الوحيدة القادرة على ضمان مثل هذا البقاء في المرحلة المقبلة نظراً لعدة عوامل أهمها واقع القوى على الارض في كل من سوريا و ايران و لبنان.
الايام القادمة قد تشهد حالات من استعراض القوة, التي يهدف أغلب اللاعبون من خلالها الى رفع قيمتهم السياسية و ضمان بقائهم كجزء أساسي من المعادلات القادمة.
لهذا فمن الصعب ان تعطي زيارة مثل زيارة الامير بندر الى موسكو نتائجها الحقيقية دون ان يضطر الامير الغامض الى اظهار بعضاً من قدراته المتبقية على الارض من سوريا الى لبنان مروراً بالعراق. اما لاعب آخر كحركة حماس المتضررة من شكل التطورات الاخيرة فقد تضطر مرغمة الى احداث تغييرات حقيقية داخل الحركة تضمن لها القدرة على العودة الى الوراء و الالتفاف الاستراتيجي نحو المحور الايراني.
د.عامر السبايلة